البيان الختامي للقاء التشاوري الخامس عشر الذي عقد في الرياض الثلاثاء الماضي؛ أكد في جزء منه حرص دول مجلس التعاون على "بناء علاقات متوازنة مع جمهورية إيران الإسلامية تسهم في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها"، وعبر المشاركون فيه عن "تطلعهم إلى تأسيس علاقات طبيعية معها قوامها احترام أسس ومبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول واتخاذ خطوات جادة من شأنها إعادة بناء الثقة والتمسك بمبادئ القانون الدولي والأمم المتحدة التي تقوم على حسن الجوار وتمنع التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها"، وهو ما يعبر عن صدق نية قادة التعاون وحبهم للمنطقة واحترامهم للقانون الدولي وقبولهم لمبدأ التعايش بغض النظر عن كل التفاصيل.
لكن هذا يثير سؤالاً جوابه المبدئي هو أن إيران لا تستطيع أن تعيش في هكذا أجواء، فهذه الجارة لا تهتم بإقامة علاقات طبيعية مع جيرانها، وما مضى من زمن يؤكد أنها لا تهتم باحترام مبادئ حسن الجوار وسيادة الدول، ولا تهتم بمسألة بناء الثقة ويصعب عليها العيش من دون التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
إيران للأسف لا تزال تسعى إلى استعادة إمبراطوريتها، وهي لا تترك أي فرصة توفر لها الأمل في تسيد المنطقة. إيران لا يهمها الجوار ولا تلتزم بالمبادئ والأعراف الدولية وإلا لأعادت الجزر الثلاث المنهوبة للإمارات، ولما سمحت للمقربين من السلطة التصريح بين فترة وأخرى عن حق إيران في البحرين.
شعوب التعاون مثل قادتهم يحبون أيضاً أن تبنى علاقات متوازنة مع إيران تسفر عن تعزيز أمن المنطقة واستقرارها، ويحبون أن تحترم إيران سيادة دول التعاون ولا تتدخل في شؤونها ولا تهدد باستخدام القوة، لكن هذه الرغبة لا يتوفر لها على أرض الواقع ما يبشر بأنها قابلة للتحقق. فإيران لا يمكن أن تغير من سلوكها ولا من سياستها لأن هذا التغيير ليس في صالحها ويخرب كل خططها وأطماعها وتطلعاتها.
بالتأكيد سيقابل المسؤولون الإيرانيون دعوة قادة التعاون بكثير من الترحيب وسيقولون إنهم هم أيضاً يسعون إلى هذا الأمر وأنهم يحبوننا كثيراً ولا يريدون لنا إلا الخير، وسيعطون الجميع من طرف اللسان حلاوة، لكنهم سيكتفون بالكلام الجميل المنمق ولن يفعلوا ما يفيد، والسبب هو أن إيران لا تستطيع أن تسبح في مثل هذه المياه؛ فخياشيمها مهيأة للعيش في المياه الأخرى التي أساسها التدخل في شؤون الغير واللعب على المتناقضات.
بالتأكيد أيضاً قادة التعاون ليسوا بغافلين عن هذا الشيء، فهم يعرفون إيران جيداً ويعرفون أنها لن تستجيب إلا إلى صوتها وأنها ستقول لهم كلاماً جميلاً يفرحهم لكنها ستفعل عكسه. قادة التعاون يعرفون هذا تمام المعرفة لكنهم تعودوا أن يعملوا بأصلهم وبما تمليه عليهم ضمائرهم ولكي يبينوا للعالم الصورة الكاملة فيعرف حقيقة تفكير السلطة في إيران.
إيران تردد دائماً أنها ضد التدخل في شؤون الدول الأخرى وأنها لا تتدخل في شؤون دول مجلس التعاون بشكل خاص، وأنها ترغب في تطوير علاقاتها بها، لكنها تفعل عكس هذا تماماً، فلا تعرف إلا أن تتدخل في شؤون هذه الدول، ولا تعرف إلا أن تفعل ما تريد أن تفعله وما يعينها على تحقيق أحلامها.
المثير هو أن إيران قد تفهم هذه الدعوة الطيبة التي احتواها البيان الختامي للقاء التشاوري بشكل مغاير، فبناء على التجارب السابقة فإنه من غير المستبعد أن تعتقد إيران أن دول التعاون تخشى من مسألة توصلها إلى اتفاق مع الغرب بشأن الملف النووي، وأنها تريد أن تضمن أنها لن تتضرر منه وأن الرسالة في الأساس موجهة إلى الغرب وملخصها أن احمونا من إيران