كان حلم الوحدة العربية حلماً قديماً جداً، إنه قديم بقدم الإنسان العربي، وفي كل مرة يطرح هذا المشروع القومي على صعيد تفعيل «الفكرة» لتحويلها إلى واقع على الأرض يتعرض دعاة الوحدة العربية إلى حرب شرسة من قبل أعداء الوطن العربي، إضافة لعوامل أخرى داخلية لا تقل أهمية عن كل العوامل الخارجية، لعل من أبرزها تلكم القضايا المتعلقة بالجهل والأمية والتخلف والصراعات والنزاعات التي لم تهدأ في تاريخ هذه الأمة منذ نشوئها وحتى يومنا هذا.
لقد كانت مسيرة الوحدة العربية مسيرة حافلة بالقليل من النجاحات والكثير من الإخفاقات للأسباب التي ذكرناها قبل قليل، وبين تعطش العرب لهذه الوحدة المنشودة وبين مؤامرات أعدائها، ضاعت ملامح المشروع الوحدوي بطريقة ضاع معها الكثير من الأحلام العربية.
إن أكثر الفرص التاريخية وأقواها على الإطلاق فيما يخص الوحدة العربية هو التدافع الجماهيري للشعوب العربية بعد الثورة الناصرية في مصر، والمحاولات الجادة للراحل جمال عبدالناصر في إحياء الوحدة العربية عن طريق إجراء تجارب وحدوية بين بعض الأقطار العربية، فكان التجاوب الشعبي أكبر بكثير من التجاوب الرسمي للحكومات العربية آنذاك، لكن لم يقيض لها النجاح، فكانت آخر حلم يضيع على مسرح أحلام العرب من المحيط إلى الخليج.
اليوم وبدل أن يقوم العرب بإحياء التجربة الوحدوية للقومية العربية وبث الروح فيها من جديد لمواجهة كل التحديات التي تعصف بالواقع العربي في شكلها المخيف، بدأ العرب يستسلمون ويتساقطون في وجه الإرادة الأجنبية التي تسعى بكل جهدها لتقسيم الوطن العربي إلى دويلات ضعيفة ومفتتة، فاختلقوا للعرب ربيعاً قاسياً ومشتتاً، أضاعوا من خلاله آخر فرصة للم الشمل وبسط نفوذ حلم الوحدة العربية ولو بطريقة من شأنها أن تعيد بعض أمجاد «الناصرية».
في الوقت الذي كان يسعى إليه قادة الوحدة العربية في خمسينات القرن الفائت، وعلى الرغم من تحفظاتنا على بعض تفاصيل تلكم الوحدة، نجد اليوم غالبية القادة العرب يرضخون لمطالب الدول الأجنبية التي تروج لتفتيت الأوطان العربية لتتحول إلى «كانتونات» ورقية لا تخيف عدواً ولا تسر صديقاً، فجاء تقسيم السودان الضعيف كخطوة أولية لتقسيم بقية الدول العربية، وقبل مشروع التقسيم لا يجب أن ننسى مشروع التدمير، وهذا السيناريو هو الحاصل في يومنا هذا بالحرف الواحد!
على صعيد الواقع لا ندري حقيقة ما يمكن أن نفعله أو حتى ما يمكن أن نقوله فيما يخص إحياء مشروع الوحدة العربية من جديد، بمعنى هل مازال الأمل قائماً في تبني هذه الفكرة / المشروع؟ أم أن القطار قد فات من زمن طويل، وما علينا سوى انتظار نتيجة الانهيار الكبير؟
بين قمة التشاؤم ووعي التفاؤل ربما تقع شعرة معاوية، تلك الشعرة التي كنا نسمع عنها كثيراً، لكننا لم نرها في أي مناسبة سوى في مناسبة السقوط العربي. ومع كل هذا الألم مازال عند العرب بارقة أمل للوحدة العربية، ربما تولد من داخلنا لا من خارج الأقطار المسبية أو عبر الإدارات الغربية والصهيوينة.