ليست المرة الأولى التي تعلن فيها وزارة الداخلية عن تمكنها من القبض على عناصر إرهابية «بحوزتهم مواد وأدوات تستخدم في تنفيذ الأعمال الإرهابية وتصنيع وتركيب عبوات شديدة الانفجار»، وليست المرة الأولى أيضاً التي تنفي «المعارضة» فيها صلتها بهذا الأمر وتسعى إلى إقناع العالم بأن الخبر مجرد ادعاء، وأن الداخلية تريد إلصاق التهمة بعدد من «المعارضين» بغية تقديمهم للمحاكمة وإضعاف الحراك، وغير هذا من كلام لم تثبت صحته في المرات السابقة، خصوصاً وأن الداخلية دعمت قولها بأدلة وبراهين، عدا أنه من غير المنطق أن تقول بهذا وهي تعلم ما قد يترتب عليه من جوانب سلبية على البلاد، حيث الإعلان عن مثل هذا الأمر له كلفة تحسب لها الدول ألف حساب.
يكفي دليلاً على صحة الخبر أن من بين من تم إلقاء القبض عليهم محكومين بالمؤبد وهاربين من العدالة، فمثل هؤلاء لا يمكن أن يكتفوا بالاختباء حيث من الطبيعي أن يسعوا إلى حماية أنفسهم والمشاركة في أي عمل يسيء للسلطة، وليس أسهل من إعداد ما يعين على تنفيذ أعمال إرهابية تشعرهم بأنهم لايزالون قادرين على فعل شيء يدعم توجهاتهم.
«المعارضة» المتمثلة في الجمعيات السياسية ستنفي صلتها بهؤلاء وستنأى بنفسها بعيداً، وما يسمى بـ»القوى الثورية» ستنفي الموضوع كله وستكيل كل التهم لوزارة الداخلية، بينما جهازهما الإعلامي سيحاول عبر الفضائيات السوسة والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي الترويج لفكرة أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وأن الداخلية تبحث عن مبرر لإدانة بعض العناصر التي وقعت في قبضتها، وأنها ترمي إلى الإساءة لسمعة المعارضة على اختلاف مشاربها بغية إضعافها وتقديمها للعالم على أنها مجموعة إرهابية لا تستحق حتى التعاطف معها.
أما الجمهور فمن الطبيعي أن ينقسم إلى فريقين؛ فريق مصدق وفريق مشكك، لكن الجميع سينظر إلى الموضوع من زاوية أن خطراً ما يمكن أن يتعرض له، خصوصاً وأن شيئاً من هذا حدث في مرات سابقة ونتج عنه ضحايا.
وجود مثل هذه الأدوات والمواد في بيوت في جنوسان وسترة أو غيرهما من القرى أو المدن يعني أن هؤلاء لا يهمهم مقدار الضرر المتوقع أن يقع على الأبرياء من المواطنين والمقيمين، وأنهم يمتلكون الفتوى التي تعينهم على الاستمرار في هكذا عمل بغض النظر عن وقوع ضحايا، وأنهم يشكلون خطراً لا يستهان به، فهذه المواد خطرة ويمكن أن يفضي استعمالها إلى سقوط ضحايا من الأبرياء كما حدث في مرات سابقة.
الموضوع غير عادي، ووزارة الداخلية مطالبة أيضاً ببث الاطمئنان في نفوس المواطنين والمقيمين، حيث لا يكفي الإعلان عن القبض على البعض والتوصل إلى أماكن تواجدهم وتصنيعهم لتلك المواد، فمن يصنع مثل هذه المواد الخطرة في هاتين القريتين لابد أنه يقوم بعمل مماثل في أماكن أخرى، وهذا يعني أن مسؤولية الداخلية الآن صارت مضاعفة، فكيف للمواطنين والمقيمين أن يأمنوا على حياتهم وممتلكاتهم وهناك من لا يبالي بهم ولا يتردد عن تصنيع المواد المتفجرة وسط بيوتهم؟
هذا الأمر وحده يؤكد أن بيان الداخلية صحيح، لأن الإعلان عن مثل هذا الأمر يضاعف من مسؤولياتها ويدفع المواطنين والمقيمين إلى الضغط عليها كي تعمل ما يؤدي إلى توفير الشعور بالأمان لهم جميعاً.
أبداً لا يمكن التشكيك في مثل هذا الخبر ولا يمكن لـ»المعارضة» بأنواعها أن تقنع العالم بأنه غير صحيح أو غير دقيق، ويكفي القول إن الكثير من الدول تلجأ إلى عدم الإعلان عن مثل هذه العمليات لأنها تعرف مردودها السلبي عليها وعلى كثير من مناحي الحياة فيها. صدور بيان عن هذا الأمر دليل على صحته.