ما ينبغي لأصحاب الأقلام الحرة وكتاب الرأي أن ينحازوا لتجمع أو حزب أو طائفة بعينها، بل يتحتم عليهم الاعتدال والمشورة والمناصحة، وألا يكونوا مروجين لأحد إلا لحقوق المواطن ومكتسباته والحفاظ على الوطن.
وأسمى هدف يتطلع له الخيرون وعقلاء القوم هو رؤيتهم الناس مجتمعة متآلفة تنبذ الفرقة والبغضاء، وهذا ما يتمناه أبسط مواطن وصولاً إلى الحكام ثم قادة الأحزاب والتجمعات على اختلاف أيديولوجياتهم، ولن يتحقق ذلك بالتمني والتنظير بل يحتاج إلى تضحيات وثقافة مجتمعية وإنكار للذات وتقبل الآخر.
إن ما يجعل الأوطان مستقرة والشعوب متنعمة هو انضواء الجميع تحت خيمة الوطن والولاء له والذود عنه، ومتى ما أصبح العمل في الأحزاب والتجمعات الدينية والعلمانية في نطاقه الضيق وتسعى قاعدتها لاسترضاء مؤسسيها وقادتها وصولاً إلى الانبطاح أمام مراجعها وحكامها انهارت تدريجياً وتراجعت شعبيتها وأصبحت عامل نخر في الأوطان، ولنا عبرة في تجارب دول بعضها غابت واندثرت في العصر الحديث وبعضها وبسبب ما بثوه من أفكار متطرفة أورثت الشعوب الكوارث وحولتها إلى حطام وحمامات دم.
فليس من السهل أن تجمع شتات الناس على اختلاف مشاربهم وألوانهم على كلمة سواء، لكن ثبت هنا في مملكة البحرين وبالتجربة، أن الوطن عندما يتعرض لخطر داهم ستتحرك غريزة المواطنة والولاء دون سابق تحضير أو إنذار، فاندفعت بعفوية وفي رد فعل مسؤول ومتزن جموح المواطنين وخرج شعب البحرين عن بكرة أبيه قاصداً الفاتح في وقفة مهيبة في الحادي والعشرين من فبراير 2011، وستظل تلك الوقفة درساً بليغاً للأجيال، ولم يكن في تقديرات من دعا لها أن يتجمع مع أول نداء مخلص سوى المئات وبأحسن الأحوال بضعة آلاف، فإذا بعشرات ثم مئات الآلاف زحفت ثم اصطفت في منظر تقشعر له الأبدان وطاشت معها بوصلة العداء، وكانت الرسالة واضحة ومدوية؛ أن البحرين بلد السلم والتعايش ولن يستطيع الأعداء ولو اجتمعوا التفريق بين طوائفه وخرم نسيجه المحكم، فتم سحب البساط من تحت أرجلهم وأخمدت نيران الفتنة التي أوصلت القدر إلى حافة الانفجار، وقد قطف ثمار تلك الوقفة الشعب كله شيعته وسنته وباقي ملله وأبعدت وقبرت فكرة الحرب الطائفية والفوضى.
لكن بعد أربعة أعوام على تلك الوقفة المشرفة التي أعطت صورة ناصعة لشعب البحرين ليس من الحكمة والتدبير أن تبرد الهمم، فتجمعكم المبارك كان لله ثم للوطن.
نعم لقد أفشلتم المؤامرة بحسن تدبيركم ووعيكم، لكن كل المعطيات ومجريات الأحداث والحراك الإقليمي والدولي يؤشر أن أزمة البحرين أجلت وما سويت ولا رحلت، فالعدو نفسه طويل ويتربص بنا الدوائر.
فالتلكؤ والخلاف والتشكيك والفرقة والتخلي عن تجمعكم الذي أنتم من وضع حجر أساسه، والذي كان توفيقاً وتدبيراً من الله القدير والتنكر له وإلغاء دوره وتحجيمه لا يصب في مصلحة الوطن ولا المواطن، فالشعب البحريني العظيم هو من أوجد تجمع الفاتح وليس العكس، وهو من سيحافظ عليه.
وحسناً فعل رئيس التجمع وهيئته المركزية بوضع استقالتهم على الطاولة، رغم ما قدموه من تضحيات، فهي رسالة ودية، وقبل الدخول في مؤتمر التجمع والانتخابات المركزية التي ستعقد في السادس عشر من هذا الشهر، وهذا قمة المسؤولية والتفاني ونكران الذات، وإتاحة المجال ليتقدم الصفوف من يرى في نفسه القدرة والكفاءة في خدمة هذا الوطن والارتقاء بهذا التجمع.
لقد اختاركم الله يا أهل الفاتح لأمر جلل وحفظ بكم البحرين، فالحمل يا أهلي ثقيل والدرب طويل، وكلما عظم الهدف زادت التضحيات، والهدف هو الحفاظ على وجود البحرين واستقرارها والتي تستحق منا الكثير وهي أمانة في أعناق الجميع!! فسددوا وقاربوا والتفوا حول مبادئ التجمع، لا شخوصه، وقوموا المسيرة وتناصحوا ولا تدابروا فتفشلوا وتذهب ريحكم، فكلكم مجتهد والمجتهد إن أخطأ فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران.
فمتى ما كان العمل خالصاً لله ثم الوطن دام واتصل، ومتى ما ابتغي به المصالح الضيقة ووجه فلان انقطع وانفصل.