في سنوات سابقة كان الواحد منا يستثار ويستشيط غضباً عندما يشاهد لقطة على شاشة التلفزيون لشهيد فلسطيني محمول على جنازة والجمهور يزفه إلى مثواه الأخير، وكان البعض منا يأخذه الحماس فيقدم على فعل أمر ما يعبر من خلاله عن غضبه ورفضه لما يحدث، وكنا جميعاً نضيق بما نرى ونتعاطف مع القضية الفلسطينية، وقد يدفعنا ذلك إلى الخروج في مظاهرة. لكن بسبب مبالغة الإعلام العربي في بث تلك اللقطات والصور التي كان المراد منها كسب تعاطف الناس مع القضية الفلسطينية وشحنهم قل تأثيرها، حتى وصلنا إلى اليوم الذي صرنا نرى فيه عشرات الشهداء في مظاهرات غاضبة لفلسطينيين، بل ونرى المجازر على الهواء مباشرة فلا نتأثر.
تكرار مشاهدة المنظر نفسه يجعل منه منظراً عادياً فلا يعود مدهشاً كما كان في المرة أو المرات الأولى، وبسبب كثرة المآسي في العالم اليوم لم يعد المشاهد يتأثر كثيراً بما يرى؛ بل لعله لا يتأثر بها حتى قليلاً. ورغم أن المعنيين بالإعلام يعرفون هذا جيداً؛ إلا أن البعض منهم لا يزال يكرر نفس الخطأ ويعتقد أن المبالغة في بث اللقطات التي تظهر حجم المعاناة نتيجته كسب التعاطف واتخاذ موقف إيجابي ضد الآخر.
هذا بالضبط ما تمارسه اليوم الفضائيات الإيرانية وتلك الممولة منها والمحسوبة عليها فيما يخص الحرب في اليمن، فهي تكرر في كل نشرة إخبارية وكل برنامج تتناول فيه مشكلة اليمن لقطات تفترض أن من يشاهدها سيتخذ موقفاً من دول التحالف بقيادة السعودية وسيتعاطف مع جماعة الحوثي وسينشر بالتالي ما وصل إليه من قناعة بين الناس، فتظهر دول التحالف على أنها المعتدية التي ينبغي من كل العالم إدانتها، وتظهر جماعة الحوثي على أنها المعتدى عليها والمسكينة والمظلومة.
لكن هذا الأسلوب فاشل ومردوده سلبي، فبسبب تكرار بث تلك اللقطات، التي ربما بينها لقطات مستعارة من حروب في أماكن أخرى، تصير عادية ولا تبعث على الدهشة ولا الاستغراب ولا ينتج عنها أي تعاطف، بل على العكس قد يشك في صحتها وفي الهدف من وراء تكرار بثها. والأمر نفسه فيما يتعلق بالأخبار والتحليلات التي تعتمد فيها على أشخاص معينين يعرفون أن عليهم أن يقولوا ما ترضى عنه تلك الفضائيات وتوافق عليه.
في اعتقادي أن هذا أحد الأسباب المهمة وراء خسارة الحوثيين لتعاطف العالم معهم، أي أن ما فعلته تلك الفضائيات بأسلوبها المتخلف هو أنها بدل أن تروج للحوثيين وتدفع الجمهور للتعاطف معهم أساءت إليهم فانفض الجمهور من حولهم.
فضائيـــات مثـــل «العالـــم» و«المنــار» و«الميادين» تبث وتعيد يومياً بث العديد من اللقطات التي تريد من خلالها نشر فكرة أن التحالف العربي بقيادة السعودية أجرم في حق اليمن وأنه يقصف الأبرياء، ويعتبر كل ما يتحرك على الأرض هدفاً مشروعاً، فتركز على المباني التي تضررت وتهتم كثيراً باللقطات التي تظهر بعض الضحايا الذين لا يعرف بالضبط كيف سقطوا ومن أين أتتهم الضربة.
الأمر نفسه تمارسه هذه الفضائيات وهذا الإعلام مع ما يجري في البحرين، والدليل هو أنها لا تزال تبث لقطات تعود للأيام الأولى من الأحداث في فبراير 2011، وهو ما أدى إلى الإضرار بمن تهدف إلى مساندتهم والترويج لهم. «المعارضة» في البحرين خسرت الكثير من التعاطف بسبب هذا الأسلوب المتخلف الذي يعتمد على مخاطبة العواطف ويعتقد أصحابه أن تكرار بث لقطات معينة من شأنه أن يخدم من تدعمه.
هذا التفكير القاصر من شأنه أن يخسر الحوثيين كل تعاطف وسيحدث معهم مثلما حدث مع «المعارضة» في البحرين التي خسرت بسببه الكثير، خصوصاً بعدما اكتشف العالم اللعبة التي تمارسها «العالم» وأذنابها