أكثر ما يخسره الوطن هو كفاءاته وأبناؤه حينما يقررون أن يكون عطاؤهم في الخارج لا الداخل.
وقبل التفصيل نشير هنا إلى الخبر المنشور بالأمس الذي أفاد بأن ما مجموعه 2203 بحرينيين يعملون في الخارج وتحديداً في دول الخليج العربي، حيث استعرض التقرير توزيعهم وتركزهم أولاً في المملكة العربية السعودية ثم الإمارات وتليها قطر والكويت وعمان.
نقول بأنها خسارة للوطن لأن المواطن حينما يبذل جهداً ويعطي ويعمل خارج بلده فإن ما تتحصل عليه بلاده منه هي السمعة الطيبة، فيقال في بعض دول الخليج «هذا بحريني» دلالة على عمله المتفاني وإخلاصه وتميزه، وهذا شيء تفخر به البحرين لكن في المقابل هي خسارة للبحرين، إذ كان الأولى أن يكون هذا العطاء في الداخل.
في هذا الموضوع بالذات يفتح نقاش شائك، فالنظرة الأخرى للمسألة تقول بأنه لم يخرج هذا العدد من البحرينيين للعمل في الخارج إلا بسبب وجود فرص أفضل ومداخيل أعلى هناك وأن البيئة المستقطبة لهم تمنحهم مزايا ومغريات وظيفية لا يجدون مثيلاً لها في الداخل.
وليس خطأ طبعاً أن يفكر شخص ما في تطوير ذاته وتحسين دخله والارتقاء مهنياً حينما يذهب للخارج ودول الخليج العربي بحد ذاتها بيئة مميزة لهذه الطاقات، هم منا ونحن منهم، لكن الخطأ حينما ندرك بأن كثيراً ممن خرجوا لو خيروا بين البقاء والعمل في أوطانهم والعمل خارجها لاختاروا البقاء هنا في بلادهم وبين أهلهم ومعارفهم.
العدد ليس بقليل نظراً لعدد المواطنين البحرينيين، والسؤال يدفعنا للفضول بشأن كل حالة من حالات الـ2203 مواطنين، وما هي الأسباب التي جعلت كل واحد منهم يفضل العمل في الخارج.
طبعاً الإجابات ستختلف وكثيراً منها سيركز على أن الوضع الوظيفي والمادي والمزايا أفضل، وربما بعضهم يربطها بصعوبة التحصل على وظائف مناسبة سواء عبر توافقها مع المؤهلات أو عبر تلاقيها مع طموح المدخول المتوقع والمساعد في تسيير الأمور المعيشية، لكن في النهاية قد نجد إجماعاً كبيراً على أنه لو تأتى لهم نفس الوضع الحالي في بلادهم لما ذهبوا للخارج.
كمواطن أحب بلادي حينما أرى خبراً مثل هذا وحين أرى الرقم المذكور يخالجني شعور بعدم الرضا، أرى طاقات بحرينية وكفاءات تعمل في الخارج لا يستفيد منها الوطن إلا السمعة الطيبة كما بينا أعلاه، لكن لو كان الأمر يتحقق بالأماني لتمنيت أن يكون هذا الرقم هنا بالداخل، يعمل من أجل بلاده ويساعد في تطويرها وتقدمها.
لا يجب أن يمر هذا الرقم مرور الكرام لابد وأن نتوقف عنده لابد وأن نقيم بيئة العمل الداخلية ومستوى العرض والطلب ونخلص لإجابات واضحة عما إذا كانت بيئة العمل لدينا طاردة أم أن المعروض من وظائف ورواتب ومزايا لا يتوافق مع الطلب من قبل هذه الكفاءات، لدينا حملة شهادات وأصحاب تخصصات يعجزون عن الحصول على أعمال تتناسب مع دراستهم وخبراتهم، هذا واقع لا يمكن نكرانه.
فقط أحببت لفت الانتباه لهذا الرقم، ومن ضمن الأرقام أشخاص تبوؤوا مناصب متقدمة في مؤسسات وشركات خليجية وغيرهم ممن أعرف بعضهم لو تمكن له الحصول على نصف ما يتحصل عليه لقرر العودة والاستقرار في وطنه.
الفكرة هنا لماذا لا نبحث عنهم ونتقصى عن أمورهم ونرى هل يمكن أن نعيدهم إلى الوطن ووضعهم في مواقع يستحقونها وتتقارب مع وضعهم في الخارج؟! هل يمكننا معرفة الأسباب التي تؤدي بالكثيرين للبحث عن فرص في الخارج ونحاول حلها للأبد ونركز على جعل الوظائف البحرينية للبحرينيين، خاصة إن كان من ضمن الأسباب الاعتماد على الأجانب؟!
كلها أفكار متاحة وكلها تحركات مشروعة إذ الهدف في النهاية أن نجعل البحريني أداة فاعلة تبني هذا الوطن لا أن تتعب وتشقى وترتقي وهي بعيدة عن المكان الذي يفترض بأن يستفيد منها وأن تسهم في علو شأنه.