في برنامج بثته على الهواء مباشرة قبل أيام إحدى الفضائيات المنحازة إلى كل من هو ضد "عاصفة الحزم" وضد فكرة اتحاد دول مجلس التعاون وبروزها ككتلة واحدة قوية ومؤثرة وضد أن تتخذ هذه الدول قراراً يؤكد موقعها ومكانتها بين دول العالم، في ذلك البرنامج قال أحد "الضيوف" إنه "لا يستطيع أن ينكر أن إيران تريد أن يكون لها نفوذ في منطقة الخليج وتتوسع، ولكنه ليس أخطر من التوسع والنفوذ الغربي الذي تستجلبه دول المنطقة لاحتلال الفراغ العربي" ثم تساءل "أليس هذا أفضل من تغلغل الغرب في المنطقة؟".
سؤال استفزازي وإن تضمن اعترافاً مهماً عن محاولات تغلغل إيران في المنطقة، وهو يعني بلغة أخرى أنه طالما أن دول التعاون تبحث عمن يستعمرها فلتسمح لإيران أن تفعل فهي أفضل من الغرب وأقل تكلفة ولن تحتاج في هذه الحالة إلى شراء أسلحة لتحمي نفسها، لأن إيران لن تستغلها، عدا أنها دولة إسلامية وجارة وشقيقة!
وبسبب أن هذا "الضيف" ليس في الغالب ضيف حقيقي ولكن جيء به ليقول ما تريد منه تلك الفضائية أن يقول بمقابل مادي، فهذا يعني أنه إنما عبر عن توجه تلك الفضائية المنحازة بإسراف إلى إيران والنظام السوري وحزب الله، حيث القول إن على دول التعاون أن تسلم أمرها لإيران وتسمح لها بأن "تخيط وتبيط" في المنطقة على هواها يفترض ألا تقبل به قناة تطرح نفسها على أنها متوازنة وموضوعية، فلم يكن مناسباً أن تعقب مقدمة البرنامج على ذلك بقولها "يبدو أن دول المنطقة لا ترى أن هذا النفوذ الغربي فيه خطر".
المتابع لفضائية "الميادين" التي تبث من بيروت وعلى اتصال مع القيادة الإيرانية وحزب الله لا يجد صعوبة في التوصل إلى استنتاج أنها نسخة أخرى من فضائيتي "العالم" و"المنار"، وإن سقط من رؤوس مذيعاتها الحجاب، فهذه الفضائية بوق مفضوح استمرأت الانحياز لإيران حتى وصلت إلى حد طرح مثل ذلك المنطق الأهوج الذي كلفت "ضيفها" توصيله وكأنه لا يعبر عنها.
لكن هذا ينبغي ألا يمر هكذا من دون تحليل يقوم به المعنيون بالشؤون الأمنية في دول مجلس التعاون لأن هذا الكلام لا يعبر عن الفضائية فقط وإنما يكشف عن العقلية الفارسية التي لاتزال تفعل المستحيل كي تستعيد إمبراطوريتها، وهو يؤكد أن إيران تنظر إلى دول التعاون نظرة فوقية وأنها على قناعة بأنها هي الأحق بكل شيء في هذه الدول، وبالتالي فإن عليها أن تستجيب لرغبتها وتفعل ما تريده منها وأول ذلك تقدمها لإيران بطلب لاستعمارها كي توفر على نفسها الأموال التي تشتري بها الأسلحة من الغرب! متناسية هذه الدولة "حديثة العهد بالسياسة" أن شراء دول التعاون للأسلحة من الغرب هو لحماية نفسها من إيران التي تهددها يومياً عبر الإعلان عن التوصل إلى إنتاج أسلحة جديدة ومدمرة وعبر تدخلها السافر في الشؤون الداخلية لدول التعاون. وليس ما يجري في اليمن إلا مثال يكشف عن توجهات هذه الدولة، وليس استمرارها في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث إلا تأكيد على هذا التوجه.
ما تفوه به ذلك "الضيف" خطير ولابد من أخذه مأخذ الجد لأنه ليس كلامه وليس كلام الفضائية فقط إنما هو كلام السلطة في إيران التي تستغل هذه الفضائية استغلالاً غير عادي وأوجدتها كي تكون البديل المقبول عن تلك الفضائية السوسة "العالم" التي انكشفت كل أوراقها ولم يعد أحد يصدقها أو يتابعها كما كان الحال في فترة سابقة.
اعتبار دول التحالف العربي هزيمة الحوثيين وعودة الشرعية إلى اليمن نهاية لـ"عاصفة الحزم" خطأ استراتيجي سيكلف المنطقة كثيراً، فالخطر الأكبر اسمه إيران.