من غير المعقول أن تتحول الأراضي في العاصمة المنامة، إلى مشاريع إسكانية، خصوصاً تلك المناطق الحيوية التي تقع على شوارع تجارية واستثمارية أو محاذية لمناطق استثمارية، حيث نفذت من قبل وزارة الإسكان في هذه المناطق بعض المشاريع الإسكانية، التي لا تزيد هذه المناطق إلا انغلاقاً وحصراً، بالإضافة إلى تنفيذها على أراض يمكن الاستفادة منها في مشاريع حيوية، فالعاصمة عين البلد وتعتبر أسعار الأراضي فيها من أعلى الأسعار مقارنة بسعر العقار في مناطق البحرين الأخرى.
ولذلك بات على الدولة أن تبحث عن مناطق أخرى غير مأهولة ومناسبة في موقعها لإقامة مشاريع إسكانية تخدم المواطنين من كافة المناطق، ومثال على تلك المشاريع؛ مدينة عيسى ومدينة حمد ومدينة زايد، حيث استوعبت هذه المشاريع جميع المواطنين حسب تاريخ الطلب، ودون تخصيص لأهالي منطقة دون غيرهم، وخاصة أن مثل هذه المشاريع التي تنفذ في بعض المناطق يطالب أهلها بالانتفاع بجميع وحداتها دون غيرهم من أهالي باقي المناطق، حتى وإن كانت طلباتهم قديمة، وهذا ما حصل بالضبط في الكثير من المشاريع. وإن كان في بعض الأحيان تتحتم المحافظة على هوية بعض المناطق، وخاصة الأصيلة منها والقديمة، والتي لها علاقة بتأصيل تاريخ البحرين أن تخصص المشاريع لأهلها حفاظاً على طابع المناطق، ولكن بوجه عام فإن إنشاء المدن هو أفضل طريقة لاستيعاب المواطنين، وخاصة تلك المناطق التي تشح فيها الأراضي أو الأراضي المحاذية لها التي لا تمت إلى المناطق والأحياء نفسها بصلة.
وقد عكف النواب في المجالس السابقة، ومنهم نواب الوفاق والمجالس البلدية التابعة لهم، على الانكباب على وثائق وخرائط وزارة الإسكان بدعوى البحث والتقصي عن أملاك الدولة، والتي يعقبها مباشرة تقدم النواب أنفسهم إلى وزارة الإسكان بطلب الاستفادة من الأرضي التي حصلوا على مواقعها من هذه الوثائق، حيث كانت الوسيلة الوحيدة لهم آنذاك تنفيذ المشاريع الإسكانية بالذات وسط المنامة، ومن ثم حصرها على أهالي المنطقة دون غيرهم من المواطنين، ولقد شهدنا حجم هذه المشاريع الإسكانية في بعض مناطق المنامة، والتي لم يستفد منها أي مواطن من المحرق أو الرفاع، بالرغم من أنها مشاريع الدولة، وشيدت على أراض قد تكون محاذية لبعض المناطق في المنامة، حيث أصبحت عادة لنواب كل مجلس القيام بالمطالبة بإقامة مشاريع إسكانية بعد الحصول على خرائط لمواقع أراض مسربة من المؤسسات ذات العلاقة، منتهجين نفس الطريقة والأسلوب.
وربما تكون هناك مناطق تحتاج إلى إعادة طابعها مثل مناطق قلالي والحد والبسيتين والمحرق، إلا أنه من الواجب البحث عن طرق بديلة لحث المواطنين على البقاء فيها، وذلك حين تقوم الدولة بتقديم الدعم للحفاظ على تاريخ هذه المناطق والذي خطط لتبديله قبل فترة، عندما أقدم البعض من خارج هذه المناطق بشراء العقارات القديمة بدعم من بعض البنوك التي تقدم القروض الميسرة لخدمة بعض الأهداف بقصد مسح هوية هذه المناطق، في الوقت الذي تقوم فيه جهات في المؤسسات الحكومية بالعمل على توسيع رقعة بعض المناطق تحت أسماء مشاريع خداعة مثل مشروع امتداد القرى، حيث عملت على تمديد الأحياء حتى أصبحت أكبر من المدن، بل وسرقت من أراضي المدن الكبيرة.
نعود إلى المنامة التي يجب الاهتمام بالأراضي المتبقية منها وعدم تخصيصها للمشاريع الإسكانية، في ظل وجود حلول بديلة يمكن أن تستوعب الطلبات الإسكانية لأهالي هذه المناطق أسوة بأهالي المناطق الأخرى، وذلك بتشييد -كما ذكر سالفاً- مدن على غرار المدن الكبرى، وخاصة أن مثل هذه المدن تساعد على اندماج كافة الطوائف بعضها ببعض وتزيد من ألفة الشعب وتقاربه وتنتقل بالمواطنين من حالة الانكفاء على بعضهم إلى قبول بعضهم للآخر، كما أنها ستكون أفضل من الناحية الأمنية.
كما نعيد ونكرر أن تعيد المؤسسات الحكومية ذات العلاقة النظر في تسمية المناطق الإسكانية الحديثة -وبعضها قيد الإنشاء- وعدم إلحاقها بأسماء المناطق المحاذية لها أو بعض أسماء الأحياء، حتى لا تكون هناك مشكلة تواجه المسؤولين في حالة توزيع الوحدات، وذلك عندما يتولد الشعور عند أهالي هذه الأحياء من أبنائهم أو من يسكن في شقق بالإيجار في هذه المناطق بأنهم أولى حتى لو كان تاريخ طلب الخدمة 2015.
إن إعادة النظر في السياسة الإسكانية باتت ضرورة ملحة، وكذلك الحفاظ على أراضي العاصمة لمشاريع استثمارية وحيوية هو كذلك ضرورة، وها هي دولة قطر والإمارات والدول الخليجية الأخرى تخصص أراضي عواصمها للاستثمار وإقامة المجمعات لإعطاء طابع معماري يعكس التطور والازدهار، عندما يكون مظهر العاصمة وعمارتها عنوان رقي وتحضر البلاد.