«أحسن إلى الجار ولو جار»؛ حكمة عربية شهيرة نحرص نحن أهل الخليج العربي على تطبيقها، فنحن نؤمن أن في هذا راحة بال وأجراً. المشكلة الوحيدة التي تواجهنا في هذا الخصوص هي أن جارنا في منطقة الخليج العربي هو إيران، ليس لأن هذا الجار مؤذ فقط ولكن لأنه مؤذ للغاية ويحرص دائماً على إثبات هذه الحقيقة وهو لا يؤمن بحق الجار إلا بالكلام، والكلام فقط.
ليس في هذا مبالغة ولكنه الحقيقة والواقع، فإيران لا تعير موضوع الجيرة أي اهتمام وهي لا تفكر إلا في مشروعها المتحكم في رأسها، والمتمثل في السيطرة على المنطقة والتسيد لعلها تتمكن من استعادة إمبراطوريتها المفقودة. إيران لا تعمل إلا للمشروع الفارسي ولا يهمها إلا نفسها ولا يهمها من يتضرر من أفعالها وسلوكياتها وتصريحاتها، ومن أجل حلمها هذا لا تتردد في توظيف كل ما يمكن توظيفه بما في ذلك الدين الذي اعتبرت نفسها حاملة لرايته وحامية له إلى الحد الذي أوهمت الكثيرين أن بطاقات دخول الجنة متوفرة لديها وأنها هي التي توزعها كيفما تشاء.
لو كانت إيران تهتم بمسألة العلاقة مع الجيران لوافقت على الأقل على مسألة الذهاب إلى محكمة العدل الدولية لحسم مشكلة الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التي نهبتها واعتبرت فعلها هذا حلالاً ولا يندرج تحت عنوان أخذ مال الغير من دون وجه حق. ولو كانت تهتم بمسألة العلاقة مع الجيران لتوقفت عن ترديد العبارات التي تغيظ أهل البحرين حيث دأبت بين الحين والحين على دفع أحد المقربين إلى السلطة فيها للقول إن البحرين جزء من إيران، وإنه لا بد من أن يأتي اليوم الذي يعود فيه «الفرع إلى الأصل».
لو كانت إيران تهتم بمسألة العلاقة مع الجيران لتعاونت مع المملكة العربية السعودية وباقي دول التعاون على حل مشكلة اليمن وليس العمل على احتلاله بغية محاصرة المنطقة من الجنوب كما من الشمال؛ حيث تسيطر على العراق الذي صار عاصمتها، ولتوقفت عن دعم الحوثيين بهذا الشكل المفضوح، ولما اعتبرت فعل التحالف العربي عدواناً سعودياً على اليمن. لو كانت كذلك لما سمحت لنفسها بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول التعاون ولما سخرت إمكاناتها للإساءة إلى السلطات فيها على مدار الساعة.
لو كانت إيران تهتم بالجيرة وتؤمن بأن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى على سابع جار لما سمحت لنفسها بتوظيف كل إمكاناتها الإعلامية في الإساءة إلى جيرانها (يكفي متابعة حلقة واحدة من برنامج «حديث البحرين» الذي تبثه فضائيتها السوسة «العالم» لمعرفة مقدار التزامها بـ «حق الجار» وما أوصى به نبي الرحمة في هذا الخصوص)!
للأسف فإن إيران، هذه الجارة التي جارت وظلمت جيرانها تنظر إلى كل دول المنطقة من عل وبتكبر ولا يتردد المسؤولون فيها عن التصريح بين فترة وأخرى بما يعزز هذا الأمر، كما لا يتردد إعلامها عن السعي إلى ترسيخ هذه القناعات لدى الجمهور، خصوصاً بعد تقدمها في المباحثات بشأن ملفها النووي والذي تأمل به السيطرة على المنطقة والتحكم في دول التعاون (المراقبون يعتقدون أن ملحقاً سرياً قد تم توقيعه بين إيران والولايات المتحدة يوفر لها الإحساس بأنها سيدة المنطقة وشرطيها).
في دول الخليج العربي نؤمن بأن هذا قدرنا، فنحن لا نستطيع أن نغير جيراننا ولا أن نغير الجغرافيا، وبالتالي فلا حيلة لنا سوى أن نتعايش معهم ونكيف أنفسنا مع هذا الواقع وإن كان صعباً، ونحتمل ما يأتينا من أذى وتصريحات وسلوكيات خاطئة.
كل ما نريده من إيران هو أن تراعي حق الجيرة مثلنا فلا تكون «جار السوء».