العديد من التكهنات سبقت قمة «كامب ديفيد» حول مسار العلاقات الأمريكية الخليجية من جانب، وما يمكن أن تفرزه القمة ضمن التوجهات الجديدة في المنطقة التي دشنتها «عاصفة الحزم» باعتبارها منعطفاً مهماً للتعاطي السعودي في إطار العلاقات الإقليمية من جانب آخر، ولعل المراقب يلحظ بعد القمة، أن الرهان أصبح لصالح التوجهات الجديدة في منطقة الخليج الساعية لخلق قوى إقليمية معادلة للنفوذ الإيراني بعيداً عن الولايات المتحدة، رغم ترتيبات الدعم العسكري ومنظومات الدفاع الصاروخي، والتي هي أقرب لصفقة تجارية من بعد سياسي ضمن العلاقات الدولية.
كشفت القمة الخليجية الأمريكية التي جمعت قادة وزعماء وممثلي دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأمريكي باراك أوباما في منتجع كامب ديفيد والبيت الأبيض يومي الأربعاء والخميس الماضيين، عن الإصرار الخليجي للمضي قدماً في بناء نظام إقليمي جديد بتحالف عربي إسلامي، يؤسس لمرحلة جديدة في توازن القوى الإقليمية.
ولعل تركيز دول الخليج على الدعم العسكري قبل وأثناء القمة يصب في ذات مسار التوجهات الجديدة، من أجل بناء وتطوير هذه القوة الإقليمية.
وسعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما بقدر المستطاع أن يدفع قادة الخليج للقبول بالاتفاق النووي الإيراني، إذ قال البيت الأبيض إن «واشنطن سترحب بدعم دول الخليج لاتفاق نووي مع إيران باعتباره سيسهم في «تعزيز أمن المنطقة» وإن واشنطن تتفهم بواعث القلق الخليجي بشأن أفعال طهران في المنطقة»، ومع ذلك يظل القلق سيد الموقف، الدافع لتسريع بناء القوة الخليجية الإقليمية.
وعلى الرغم من تجرع الولايات المتحدة الأمريكية غصة عدم حضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية قمة «كامب ديفيد»، مما دفعها للتصريح بأن عدم حضور العاهل السعودي لا يشكل «إهانة لأمريكا»، فإنها نجحت في التملص من «اتفاق أمني مكتوب» من أجل «وقف تحركات إيران بالمنطقة عبر وكلائها في اليمن وسوريا».
ولعل عدم حضور 4 من قادة دول «التعاون» القمة الخليجية الأمريكية في المنتجع الرئاسي بكامب ديفيد، رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن سياساتها في المنطقة فاقدة للثقة، وربما لا تصل إلى مرحلة «غير مرحب بها»، فخيارات المصلحة تبقي الباب موارباً، رغم دخول فرنسا في الخط، وظهور «التنين» الصيني في أفق جيبوتي بترتيبات لبناء قاعدة عسكرية، ومياه البحر الأبيض المتوسط بمناورات عسكرية مع روسيا.
راهناً تمر المنطقة بمخاض وتطورات عديدة، تنبئ بولادة نظام إقليمي جديد، لن يكون في صالح إيران بالمرة وسيدفع دول الخليج للعب دور مهم في رسم سياسات المنطقة مستقبلاً، فهل تنجح دول الخليج في قيادة هذا النظام؟ ذلك ما ستفصح عنه تطورات الأحداث خلال المرحلة المقبلة في اليمن وسوريا والعراق.