يتعاظم دور مجلس التعاون الخليجي كقيادة إقليمية في قيادة المرحلة القادمة التي تصدع فيها كيان دول عربية كبرى وتعرضت فيها لدمار شامل نتيجة ما يسمي بـ «الربيع العربي»، وجاءت «كامب ديفيد» للتأكيد على هذا الدور، بعد أن أيقنت واشنطن - قبل فوات الآوان - أن علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية زعيمة العالم الإسلامي بأسره، أهم بمراحل من علاقاتها بإيران.
ولا أعتقد أن أحداً، حتى في خضم الدفاع العبثي المحموم ووسط الصراخ والضجيج الذى يحدثه عملاء إيران في الخليج وهم يدافعون بشغف مريض عن جرائم طهران، ينكر أن إيران تمثل الفاشية القبيحة والنموذج الرجعي والمتشدد والمتطرف، والذي يحكم بأسلوب قمعي ويستخدم 70 نوعاً من التعذيب في سجون الباسيج؛ منها قلع العيون وقطع الأعضاء وإعدام الحوامل، وفي عز رقصه على دماء الشعب الإيراني، يدعم الطاغية بشار الأسد لسفك دماء الشعب السوري، ويساند سارق الشعب اليمني علي عبدالله صالح، وكل الميليشيات والجماعات الطائفية المسلحة، بدءاً من «حسن زميرة» في لبنان ومروراً بمليشيات الحشد الشعبي في العراق وكل المتطرفين والطائفين في البحرين والسعودية.
أعلم أن أنصار ولي الفقيه في البحرين بالذات «الطابور الخامس» قد يستاؤون مما أقوله وقلته في المقالات الأخيرة عن إيران، وكنت أود أن أكشف لكم «بعض» الكتبة والصحافيين الطائفيين والمخادعين «المحسوبين والممولين» من قبل ولي الفقيه، والمتخصصين في بث الأكاذيب عبر العناوين المضللة في الموقع الإلكتروني، رغم أن كذبهم واضح ومفضوح ومعارض لكل حدود المنطق، لكني أفضل التروي على أمل أن يخجلوا من أنفسهم ويكفوا عن الفبركة ويتعلموا من أخطاء الماضي ويتوبوا إلى الله.
دعنا لا ننشغل بالتوافه؛ فهنالك أمور هامة تستحق الحديث وذلك حتى لا نبتعد عن لب المقال..
فيما يبدو أن الرئيس باراك أوباما أدرك - متأخراً - أن الرهان على إيران خاسر، وأن المضمون هو السعودية كحصان أشهب قوي ونبيل، وأن تكسب ود المملكة ورضاها فيعني ذلك قبول وحضور عند دول العالم الإسلامي وأكثر من مليار مسلم، لذلك ولذلك كله، لا يبدو أن واشنطن آنياً أو مستقبلاً يمكن أن تراهن على إيران مرة أخرى، ومن يقرأ القرارات الصادرة عن اجتماع «كامب ديفيد» يمكن أن يستنتج مستقبل إيران في المنطقة، من خلال مجموعة من القراءات، أبرزها أنه من شبه المؤكد أن واشنطن لن تمارس اللعبة القديمة مع طهران، حيث سمحت سابقاً لها بشكل غير مباشر بالتوسع والتغلغل واحتلال دول عربية كلبنان والعراق وسوريا واليمن. لذلك وحسب المتوقع من قراءات «كامب ديفيد»، إن واشنطن ستسعى إلى تأطير علاقتها مع «دول التعاون» ضمن معايير وضوابط تتناسب مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والعسكرية بالمنطقة والتي خلقتها «عاصفت الحزم»، وأكدت فيها للعالم أن المستقبل الخليجي يرسمه أهل الخليج ولا يملى عليهم، وأن على الآخرين ألا يستهينوا بقدرات الخليجيين في الدفاع عن أنفسهم، وهي المتغيرات التي - بالتأكيد - ستزعج ولي الفقيه إلى أبعد حد، وقد تفاجأ طهران في الفترة القليلة القادمة بموقف أمريكي مغاير وخاصة في الموضوع السوري.
ومن هنا، فإن الخيارات أمام طهران في سياق الحرب الباردة مع دول الخليج العربي محصورة بين اثنين لا ثالث لهما؛ إما أن تمضي في غيها وتصديرها لسمومها الطائفية وسياساتها التآمرية على «دول التعاون» من خلال توظيف أذنابها في البحرين والسعودية وميليشياتها في مناطق نفوذها الأربع (العراق، سوريا، لبنان، واليمن)، وبالتالي تصعب على نفسها الموقف، وتدفع «دول التعاون» والولايات المتحدة وفقاً لقمة «كامب ديفيد» والتي أكدت التزام الطرفين الأمريكي والخليجي بالعلاقة الإستراتيجية والعمل على منظومة أمن خليجي، إلى تدمير المشروع الإيراني في المنطقة، ولا أعتقد من الصعوبة في شيء تنفيذ ذلك في الوقت الحالي، خصوصاً إذا ما تم التركيز على مفاصل قوة ولي الفقيه والمتمثلة بمليشياته في المنطقة، وذلك عبر استنزافها بكثافة وتعطيل قوتها وتحويلها إلى عبء على الاقتصاد المتهالك للدولة، ودفع الشعب الإيراني باتجاه التمرد والثورة على ولي الفقيه، وأتصور أن أقرب المتشوقين إلى الثورة علي ظلم الملالي هم الأحواز والأكراد، وينتظرون بفارغ الصبر دعم دول الخليج والأمريكان لهم، وهم مستعدون لأن يشعلوا النيران. أما الخيار الثاني فهو استسلام دولة آيات الله للأمر الواقع الجديد الذي فرضته «عاصفة الحزم» وإبداء الندم والدخول في علاقات مع دول الخليج مبنية على الثقة وأسس حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.