لأن إيران لا تستطيع أن تكف أذاها عن جيرانها؛ لذا لم يكن مستغرباً ما قاله المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي أمام زعماء إيرانيين ودبلوماسيين من دول العالم الإسلامي الأسبوع الفائت من أن بلاده ستساعد من وصفها بالشعوب المظلومة في المنطقة، وخص اليمن والبحرين (ولم ينس فلسطين كزيادة على البيعة).
هكذا وبشكل مباشر اعتبر خامنئي شعب اليمن وشعب البحرين من الشعوب المظلومة، وهو ما يعني في المقابل أن السلطة في هذين البلدين ظالمة ومستبيحة حقوق الشعب، خصوصاً أنه تحدث عن فلسطين، أي أنه وضع السلطات في البحرين واليمن جنباً إلى جنب مع إسرائيل. لكن هذا القول يوقع إيران في تناقض مثير، والسبب هو أن المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية أعربت في نفس اليوم عن «رغبة طهران في بدء حوار مع جيرانها الخليجيين»، فكيف يمكن لإيران أن تتحاور مع أنظمة تكيل لها كل هذه الاتهامات وتصنفها هذا التصنيف؟
«نحن ندعم المظلوم بقدر ما نستطيع»، هكذا قال الخامنئي في ذلك اللقاء. لم ينتبه إلى أن هذا اعتراف صريح بأن إيران تدعم من تعتبرهم مظلومين في اليمن (الحوثيين) وفي البحرين (الوفاق وائتلاف فبراير)، وهذا يفهم منه أن الدعم ليس دعماً إعلامياً فقط عبر أسطول الفضائيات التي تمارس السب وتزييف الحقائق على مدار الساعة ولكنه دعم شامل، ولم ينتبه كذلك إلى التناقض في قوله بأن «انعدام الأمن في الخليج سيؤثر على كل الدول المجاورة» لأن من يتسبب في انعدام الأمن في الخليج هي إيران وليس غيرها، ولولا أن إيران تعرف هذه الحقيقة لما اهتمت مرضية أفخم بالقول إن «بلادها لا تشكل خطراً على دول مجلس التعاون الخليجي وهي مستعدة للبدء في حوارمعها»، ولما قالت إن «الرغبة في تصوير إيران على أنها خطر وعامل عدم استقرار في المنطقة لا تعد مثيرة للسخرية فحسب وإنما تتنافى مع الحقيقة».
إيران تعرف إنما تقوم به يسيء لجيرانها، وتعلم جيداً أنها تناقض نفسها، وأنها تتجاوز حدودها، وأنها تتدخل في شؤون الآخرين، وتعرف أنه لهذه الأسباب وغيرها تتخذ دول مجلس التعاون منها موقفاً وتحذر منها ولا تصدقها ولا تثق فيها. لكن مع هذا تسعى إلى بيع قصص أخرى على العالم، وليس أسهل من القول إنها اتخذت على نفسها عهداً بالوقوف إلى جانب المظلوم ودعمه بقدر ما تستطيع وإنها تعتبر شعبي اليمن والبحرين من الشعوب المظلومة حالها حال الشعب الفلسطيني.
توقيت هذه التصريحات لا يخفى على المراقبين، فقد جاءت مباشرة بعد صدور البيان الختامي لقمة كامب ديفيد بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقادة ومسؤولين من دول مجلس التعاون الخليجي والذي أكد على تعزيز علاقات الشراكة بين واشنطن ودول الخليج، وطالب إيران باتخاذ إجراءات لبناء الثقة وتبديد مخاوف الدول المجاورة، وأكد أن دول المجلس والولايات المتحدة ستعمل معا للتصدي لأنشطة إيران التي تزعزع استقرار المنطقة، فمثل هذه القرارات يمكن أن تؤثر على الاتفاق مع إيران فيما يخص برنامجها النووي وتقيد تدخلها في اليمن، فلا تستطيع دعم الحوثيين الذين ورطتهم بأن أدخلتهم في حرب لا طاقة لهم بها.
من هنا أيضاً، جاء رد وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة سريعاً من خلال تغريدة نصح فيها خامنئي بأن يكف شره عن العرب في بلدانهم وأن ينتبه لنفسه من نقمة شعبه وقال «أذكره بأن الكذب من آيات المنافقين».
المؤسف أن إيران لا تتغير وستظل تناقض نفسها وستواصل حلمها الكبير لاستعادة الإمبراطورية الفارسية وتسيد المنطقة، ولن تنتبه إلا بعد أن يثورعليها شعبها المظلوم.