عقدت قمة كامب ديفيد بدعوة من الرئيس الأمريكي واستجابت لها الدول الخليجية، وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف ذات ترابط وثيق، الأول: طمأنة دول مجلس التعاون بشأن الاتفاق المرتقب بين إيران ومجموعة 5+1 لن تكون على حساب المصالح والأمن الخليجي، الثاني: أن العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول المجلس قائمة وصلبة وتم اختبارها عبر العديد من الأزمات، وسوف تتجاوز أية أزمة في المستقبل، والثالث: أن الاتفاق النووي مع إيران سوف يخدم دول المجلس على المدى البعيد، لأن عدم تحول إيران لدولة نووية يعزز أمن الخليج، وحتى لو افترضنا قيامها بهذا التحول، فإن التعامل مع الوضع سيكون مسؤولية المجتمع الدولي.
ذهب قادة دول مجلس التعاون لواشنطن بحسن نية، لكن أيضاً بهواجس حقيقية، هذه الهواجس لها جذورها التي ترتبط بطموحات إيران المعلنة في السيطرة على الخليج وإصرارها على تسميته بالخليج الفارسي، وهو إصرار غير منطقي، لأن كثيراً من الأسماء والأماكن التاريخية قد تغيرت عبر العصور، ومن بينها تسمية الخليج بالفارسي التي كانت سائدة لفترة في التاريخ القديم، وكان قبل ذلك له اسم مختلف منها بحر العرب، بينما كان اسم البحر الأحمر الخليج العربي، ثم سمي الخليج باسم الخليجي الإسلامي في مرحلة المد للحضارة الإسلامية، ثم الخليج العربي لأن العرب يعيشون على جانبي الخليج.
من الناحية السياسية هناك سبع دول عربية على الخليج ودولة واحدة غير عربية، كما أن إيران ذاتها غيرت اسمها من فارس إلى إيران في ثلاثينات القرن العشرين، ومن هنا فإن إصرار إيران على تسمية الخليج بالفارسي وضغوطها على العديد من المؤسسات الأكاديمية والعلمية، وفرضها ذلك بالتهديد والوعيد وأحياناً بالترغيب، يعكس نوايا مبطنة وسعيها لإحياء الإمبراطورية الفارسية التي اندثرت منذ عدة قرون، فالفارسية انتهت وحلت محلها الإمبراطورية الساسانية ثم الحضارة العربية الإسلامية وهكذا، كما أن النوايا الخفية تتجلى في الكثير من تصريحات المسؤولين الإيرانيين عبر العقود الحديثة، ولعل آخرها تصريح يونسي، المستشار للرئيس الإيراني حسن روحاني، كذلك فلسفة تصدير الثورة سعياً لبسط النفوذ الإيراني ولخلق فجوة ثقة بين أبناء الوطن الواحد.
أما المسائل المذهبية والطائفية فلا ينبغي أن تفسد العلاقة والرابطة الأقوى، وهي رابطة الدين والوطن، كما أن إيران ذاتها كانت دولة سنية قبل قيام تحولها للمذهب الشيعي مع قيام الدولة الصفوية، ولعل آخر التدخلات الإيرانية في الشؤون الخليجية خاصة والعربية عامة عندما صرح زعيم إيراني منذ يومين بأن بلاده مهتمة بحياة الشعب في اليمن ولبنان والبحرين، وهو اهتمام لا مبرر له، فليس ذلك من مسؤوليته إنما مسؤولية أولي الأمر في تلك الدول.
والشعب البحريني بمختلف طوائفه قرر مستقبله وهويته عام 1971، ووافقت إيران الشاه على ذلك، كما وافقت إيران الخميني ودخلت مع البحرين في علاقة دبلوماسية، ناهيك عن ادعاء إيران أن البحرين كانت تابعة لها، هو ادعاء استعماري باطل، والنوايا الإيرانية ليست شفهية بل تقرنها بحقائق على أرض الواقع، فهي احتلت جزر الإمارات الثلاث ورفضت التفاوض أو التحكيم الدولي.
لقد أدركت السياسة الأمريكية حقيقة ومصداقية الهواجس الخليجية، وحرصت في تصريحات الرئيس أوباما قبل وأثناء وبعد المؤتمر على إزالة تلك الهواجس وطمأنة دول الخليج، وهذا ما ظهر بوضوح في تصريحات المشاركين الخليجيين بعد انتهاء المؤتمر.
المعضلة بالنسبة للقمة مرجعها أبعاد ثلاثة؛ الأول: الرأي العام لدى دول مجلس التعاون الذي لديه شكوك في مصداقية الولايات المتحدة لتاريخها في التخلي عن أصدقائها عبر العقود، ومن ثم كان الرأي العام الخليجي يتوقع نتائج معينة تعيد له الثقة في مصداقية تصريحات الولايات المتحدة. أياً كان الأمر بالنسبة لهذا البعد فهو يعبر عن تصورات الرأي العام ولا سيطرة على حرية الأفراد وكيفية تكوينهم لآرائهم، الثاني: التطلعات التي عبر عنها عدد من الكتاب والإعلاميين والسياسيين الخليجيين، وهذه أحياناً مبالغ فيها، وبعيدة عن العلاقات السياسية الواقعية؛ بل ترتبط بتصورات هذا الفريق ومنهجه في التفكير والتحليل للأحداث، حيث أعلن البعض قبل أن تنعقد القمة أنها فاشلة. وهذا لعمري شيء عجاب؛ لأنه وضع أطراً وأهدافاً وتصورات خاصة به، وأخذ يحاسب القمة على مدى تحقيقهم لتصوراته، وعندما انعقدت القمة وخرجت بنتائجها الواقعية أصر على موقفه ولم يرغب في إعادة النظر فيه، الثالث: التصورات والأهداف الواقعية للقادة من دول مجلس التعاون والولايات المتحدة، هذه التصورات اتسمت بالسرية والكتمان قبل انعقاد المؤتمر، وبالواقعية والعقلانية بعد انعقاده. وإن أدلى البعض بأفكار تعبر عن طموحات وليس عن أهداف محددة، وهو ما يسمى بطموحات الحد الأقصى في عمليات التفاوض بين الدول سعياً لتحقيق الحد الممكن، إذا لم يتمكن المتفاوضون من تحقيق الحد الأقصى، وهو عادة لا يتحقق في المجتمع الدولي لأن العملية التفاوضية ليست صفرية بل إن الكسب لجميع الأطراف ومن ثم تحدث فيها التنازلات المتبادلة سعياً نحو الكسب المتبادل، ومن هنا لا يمكن القول أن المفاوضات والقمة نجحت أو أخفقت تماماً، لأن مثل هذه المصطلحات استثناء في العمل السياسي الدولي.
ويمكننا من هذا المنهج القول إن المباحثات نجحت في تحقيق الأهداف المعلنة للأطراف على النحو الذي تضمنته الفقرة الأولى من هذا المقال، بل أكثر من ذلك أنها أزالت بعض العقبات الخاصة بتصدير السلاح في حالة تعرض المنطقة للتهديد، وفي تأكيد التعاون الاستراتيجي فضلاً عن تأكيد العمل المشترك بالدفاع عن دول الخليج إذا تعرضت أراضيها للتهديد أو للعدوان. ناهيك عن الطلب الأمريكي بالتشاور بين الطرفين في حالة قرار دول مجلس التعاون إرسال قواتها للقيام بعمل عسكري خارج حدودها. ومن هنا فإنه يمكن النظر للقمة الخليجية الأمريكية بأنها نجحت في وضع لبنات أساسية في علاقات الطرفين، كما أكدت سوابق علاقاتهما، لذا يمكن اعتبارها تجديداً للاتفاق بين الراحل الملك عبدالعزيز في لقائه مع الرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت عام 1945.
والعناصر المهيئة للنجاح تتمثل في ثلاثة هي؛ الأول: تأكيد الصعود القوي لدول مجلس التعاون وترابطها مع الدول العربية المحورية، كما تجلي ذلك في عاصفة الحزم، الثاني: إظهار أن القيادات الخليجية الشابة هي قيادات واعية مدركة لأبعاد السياسات الإقليمية والدولية، وهي قادرة على التحاور مع القيادة الأمريكية، وقد أدركت الولايات المتحدة هذا التغير الإيجابي بالنسبة لدول مجلس التعاون، الثالث: تأكيد عودة الروح للعمل العربي المشترك على أسس جديدة، وهو ما يسمى بتحالف الدول القادرة والراغبة من دول جامعة الدول العربية، ومن هنا اشتركت في عاصفة الحزم عشر دول عربية وخليجية، فضلاً عن عودة الروح للتضامن الإسلامي الحقيقي المبرأ من طموحات السيطرة، ومن هذا القبيل مساهمة السنغال والباكستان وغيرها، وهذا دليل على أن عودة الروح للعمل العربي المشترك ظهرت آثارها في إحياء العمل الإسلامي المشترك. فالإسلام لحمته عربية، والعروبة هي حاضنة الإسلام، لأنها تفهم روحه ودلالات الألفاظ والكلمات كما تحدث عنها علماء السيمنطيقا Semantics أي علم دلالات الكلمات والمعاني. وهذا رد عملي لإيصال رسالة المشاركة الخليجية الجماعية، كما أكدت عاصفة الحزم بأن عملية تهميش العرب لم تعد صحيحة اليوم، بل عفا عليها الزمن بعودة الروح العربية وبالصعود الخليجي الذي أظهر مصداقيته من خلال العمل الموحد في الإطارين الخليجي والعربي، بل والإسلامي، كما أظهر القدرة على الفعل العربي من خلال التعاون الصادق مع الأطراف الراغبة في الانضمام للمسيرة العربية المشتركة، ولعل الأوروبيين من أوائل من أدركوا هذا المفهوم فتغيرت نظرتهم للعرب وبخاصة لدول مجلس التعاون ومصر.