حان الوقت لأن تظهر لنا كتابات عربية بأيد عربية تقدم تصورات جادة لكيفية التعامل مع الوضع الحالي والمستقبلي
جمعتني الصدفة في الكويت قبل فترة بعدة جلسات نقاشية مع الكاتب الاستقصائي القدير يسري فودة مؤلف كتاب «في طريق الأذى»، وللأسف لم أنل شرف الحصول على نسخة موقعة من كتابه، ولكنني حظيت باقتناء نسخة من هذا الكتاب القيم لاحقاً في مطار دبي خلال عودتي للبحرين.
لا يمكن لأي قارئ لكتاب فودة أن يقاوم الرغبة في قراءته وإنجازه بسرعة شوقاً لمعرفة تحليلات دقيقة عن واقعنا المعاصر في الشرق الأوسط وكيف تسير الأحداث هنا، وتؤثر على حياتنا اليومية وإن كانت ما تنقله الفضائيات الإخبارية اليوم هو أقل تأثير يمكن أن نتصوره، خاصة إذا أدرك القارئ أن مؤلف الكتاب يعد الصحافي الوحيد في العالم الذي شاءت الأقدار أن يقابل مخططي هجمات سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
هذا الكتاب النادر في إعداده، والثمين في كم معلوماته، والممتع في أسلوب عرضه الرشيق يزاوج بين الاستقصاء السياسي من الدرجة الأولى، وقدرة فائقة في ربط الأحداث والتعليق عليها، والخروج باستخلاصات تتميز بالدقة.
لأي متابع للشأن السياسي في العالم العربي، فإنه من النادر أن تقرأ عملاً سياسياً رائعاً تم باستقصاء كبير، وتعرض صاحبه لمخاطر جمة في سبيل الوصول إلى إجابات تحظى بشغف المعرفة لدى الرأي العام في عالم يموج بالأسئلة أكثر من الإجابات.
أهمية جهد فودة في كتابه أنها تعطينا لأول مرة تحليلات معمقة وحقائق من دون رتوش حول ما غير مجرى العالم عام 2001، وما ترتب عنها من غزوات غربية في أفغانستان والعراق، دفعت لاحقاً لفوضى لم تنته بعد أن صارت مستقرة. وشهاداته لم تكن من مصادر ثانوية، بل كانت أصلية وجوهرية وهو ما يضيف على عمله قيمة استثنائية.
كثيرون يرغبون بمعرفة من الذي خطط ونفذ وارتكب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكثيرون أيضاً يرغبون في معرفة من الذي يقف وراء داعش، لتظهر بعد ذلك مجموعة من الأسئلة حول المستقبل وكيف يمكن التعامل مع ما ستأتي به الأيام.
ولمن يبحث عن إجابات في مثل هذا المستوى عليه قراءة كتاب فودة، والاطلاع على شهاداته التاريخية التي أعتقد أنها جاءت متأخرة بعض الشيء، ولكنها أفضل من ألا تأتي.
بصدور كتاب الأستاذ يسري فقد حان الوقت لأن تظهر لنا كتابات عربية بأيد عربية تقدم تصورات جادة لكيفية التعامل مع الوضع الحالي والمستقبلي، والابتعاد عن الهوس المفرط في البحث عن الأسباب.