هل انتهت المواضيع وجفت المشاريع، عندما لم يجد بعض النواب إلا شغل وقت المجلس بتوظيف الأجانب أو توظيف بعض عاطلي قوائم الوفاق التي تبناها وزير العمل السابق؟ كل مرة تضيع الأيام والساعات؛ مرة على توظيف الأجانب في وزارة التربية أو توظيفهم بشكل عام. أليست هذه عنصرية بغيضة تحرمها المنظمات الأجنبية، وذلك عندما تحرم عنصراً بشرياً من فرص العمل بسبب جنسيته، خاصة أولئك الذين يستنجدون بهذه المنظمات بدعاوى العنصرية التي تمارسها الحكومة، في حين يهضمون حق البشر الذي ذكره الله سبحانه وتعالى بأن أرض الله واسعة لكل البشرية.
ثم لماذا هذا العداء للأجنبي؟ فهذا الأجنبي قدم نفسه فداء للبحرين، الأجنبي الذي وقف مع البحرين ضد المؤامرة الانقلابية الطائفية، الأجنبي الذي سالت دماؤه على تراب البحرين، وزهقت روحه دفاعاً عنها، فقط لأنه رفض التعاون مع الانقلابيين. ثم لماذا هذه العنصرية المقيتة؟ ولماذا التصدي للكفاءات الأجنبية والتي كان على الدولة أن تتبناها وتكافئها بتجنيسها؟ ألا يرجع فضل التعليم إلى إخواننا المصريين والفلسطينيين والأردنيين منذ بداية التعليم وحتى هذا اليوم؟ فمن هم الأطباء والمعلمون والمهندسون؟ أليسوا هدية من الله أنعم بها على البحرين حين رزقها برجال مخلصين؟
ثم أيهما أنفع للدولة؛ الأجنبي المخلص أم مواطن أنفقت عليه الدولة في التعليم وقدمت له الخدمات والمنافع وجعلت له شأناً ومكانة ثم يتآمر عليها؟ ومنهم من استغل وظيفته للضرر بوطنه، عندما ترك عمله والتحق بالمظاهرات وبات في الدوار، وسرب معلومات وأسراراً، وها هو مستشفى السلمانية شاهد على من يسمونهم الكفاءات الوطنية، حيث منعت العلاج عن المواطنين، وكذلك أولئك المهندسون الذين تركوا مصانع بابكو وغيرها من المؤسسات الوطنية الحيوية، كما امتنعوا عن المشاركة في الانتخابات. ثم لماذا يقف النواب حاجزاً أمام الاستفادة من الخبرات والكفاءات؟ أليست أمريكا بلد العلماء والخبراء ومازالت تستقدم الكفاءات من كافة دول العالم؟ ألا يوجد من البحرينيين من يعملون في أمريكا واكتسبوا جنسيتها؟ فكم من البحرينيين من اكتسب جنسية أجنبية، وكم منهم من طاب له المقام في دول أجنبية، بعدما فتحت هذه الدول أبوابها لكل مواطني دول العالم.
وبمناسبة حديثنا عن موقف بعض النواب أو غيرهم من الأجانب، لابد أن نضرب مثلاً ونذكر هنا قصة واقعية حدثت في الماضي القريب، وتحديداً عام 2009، وذلك حينما أنقذ وافد باكستاني «فرمان خان» 32 عاماً -أب لثلاث بنات 7 و6 و4 سنوات والحاصل على الشهادة الجامعية- 14 مواطناً سعودياً من السيول التي ضربت جدة، حيث تم تخليد اسمه على أحد شوارع جدة، وكذلك هم الوافدون الأجانب في البحرين الذين ضربوا المثل في التضحية، حين لازموا مواقع عملهم بعد أن تركها المواطنون الموالون لإيران، وجازفوا بأرواحهم، ومنهم من قضى أسابيع لم يترك مكان عمله.
وإذا كان هناك مشروع وطني لمجلس النواب، فليس هناك أفضل من التقدم باقتراح لتجنيس الكفاءات، حيث إن الدولة بحاجة ملحة للكفاءات العملية لتكون جزءاً من الوطن، ومن باب التكريم لهذه الكفاءات والترغيب لجذبها، وذلك كما تفعل الدول الكبرى التي تأتي بالعلماء من باكستان والهند ومن الدول العربية «أطباء وعلماء ذرة» وتقدم لهم الجنسية دون أن يطلبوها، كما تيسر لهم أمور حياتهم وعوائلهم، لأن هذه الدولة تعمل وفقاً لاستراتيجية أمن قومي، وذلك ما تتطلبه المنافسة في الصناعة وفي تطوير كافة المجالات العلمية.
فهذه الدول نراها تتقدم، فهي لم تحجز الوظائف إلا للكفاءات المخلصة التي تقدم الخير والمنفعة للبلاد والعباد، أما النظرة المريضة التي ينظرها البعض بأن المواطن هو أولى بالوظيفة لأنه فقط مواطن، فهذه نظرية خاطئة، وذلك عندما يكون هذا المواطن غير كفء وغير صالح البتة لأن توكل إليه أمانة نفوس وفلوس، والأمثلة لدينا قريبة وليست بعيدة، فقط فلتتصفحوا باب التضحيات أثناء المؤامرة الانقلابية، لتعرفوا تضحيات الأجانب والوافدين من إخواننا العرب وكافة الجنسيات، ومن أين جاءت خيانة الأمانة عندما كانت الدولة على مفترق طريق بين أمن أو ضياع.
فلنصم آذاننا عن هذه الأصوات الطائفية العنصرية المريضة ولننظر إلى الأمام، وإلى ما تتطلبه مصلحة البلاد التي نتمنى أن تنظر إلى ما هو أنفع وأصلح، كما نرجو من بعض النواب الذين يضيعون وقت المجلس في اقتراحات لتحقيق بعض المآرب على حساب مصلحة الوطن، أن ينظروا إلى جيراننا في دول الخليج فقد تقدموا بسرعة عندما جلبوا الكفاءات، وينظروا إلى دول الغرب التي مازالت تستعين بالخبرات والكفاءات الأجنبية، وحتى إيران التي تعتمد على الخبرات الأجنبية لتطوير صناعتها العسكرية، تعتمد على الأجانب في بناء المفاعلات النووية.