لن يتردد المسؤولون الإيرانيون عن القول إنكم فهمتم كلام السيد الخامنئي بالخطأ، وإنه لم يكن يقصد هذا الذي فهمتموه وإنما كان يقصد شيئاً آخر، من دون أن ينتبهوا إلى أن هذا الكلام يتضمن اتهاماً لنا بالغباء لأنه من غير المعقول أن نكون جميعاً قد فهمنا كلامه بالخطأ.
عندما نسمع مسؤولاً إيرانياً أو مقرباً من السلطة في إيران يقول «بحرين مال مو» فلا يستطيع أحد أن يقنعنا بأنه لا يقصد أن إيران تؤمن بأن البحرين تابعة لها وأنها جزء منها وأنه إنما يقصد أن الإيرانيين يحبون البحرين، وذلك لسببين؛ الأول هو أن الكلام واضح لا لبس فيه، والثاني هو أننا لا نعاني من ضعف في قدراتنا العقلية كي نفهم الكلام بشكل مناقض للمقصود إلى حد أن نخطئ حتى في ترجمة كلمة البحرين.
بالنسبة للخامنئي فإنه إضافة إلى الفارسية يجيد التحدث باللغة العربية، وحديثه عن دعم ومساعدة الشعوب المظلومة كان إما بالفارسية وتمت ترجمته من قبل المترجمين العاملين في بلاط السلطة هناك والذين يفترض أنهم متمرسون، أو كان باللغة العربية الفصحى وهي لغتنا التي لا نحتاج كي نفهمها إلى مترجم.
ما قاله الخامنئي كان واضحاً ومباشراً؛ تماماً مثلما أن ما قاله وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد في تغريدته التي رد بها على ما قاله الخامنئي كان واضحاً ومباشراً. الخامنئي قال إن «إيران تساعد وتنتصر لشعوب البحرين واليمن وفلسطين لأنها شعوب مظلومة، وإن الخليج إن لم يكن آمناً فسيكون غير آمن للجميع»، ووزير الخارجية قال «أنصح خامنئي بأن يكف شره عن العرب في بلدانهم وأن ينتبه لنفسه من نقمة شعبه عليه، وأذكره بأن الكذب هو من آيات المنافقين». وكما أنه ليس معقولاً أن يقول الوزير إنه لم يستخدم كلمة الكذب والمنافقين وإنه كان يقصد بهما مدح الخامنئي، كذلك ليس معقولاً أن نكون جميعاً قد فهمنا ما قاله الخامنئي بشكل خاطئ.
حجة أنكم فهمتم خطأ أو أن هناك لبساً وسوء تفاهم، أو أن من قال لم يكن يقصد هذا المعنى بشكل دقيق، كل هذا لا قيمة له لأنه غير حقيقي، فما قاله الخامنئي فهمناه بشكل صحيح ودقيق ونحن نعرف أنه كان يقصده ويعنيه، فالمتحدث هنا مسؤول كبير يفترض أنه يمتلك الخبرة السياسية، وبالتالي يعلم ما يقول وما يقصد وما يرمي إليه، ويعرف أن المتلقي لا يحسب عليه عباراته وكلماته فقط وإنما حتى نبرة صوته وتعابير وجهه، وإلا فما قيمة ما يقول؟
الخامنئي قال كلاماً واضحاً، وكان يقصد أموراً معينة، والمعنيون سمعوه وقرؤوا ما صدر عنه وفهموا بما يمتلكون من خبرات وقدرات على الفهم المقصود من كلامه فهماً صحيحاً، خصوصاً وأنه كان كلاماً واضحاً ومباشراً ودقيقاً، وليس مغلفاً كما يحلو لبعض السياسيين أن يفعل. تماماً مثلما أن رد معالي وزير الخارجية كان واضحاً ومباشراً ودقيقاً، والإيرانيون سمعوه وقرؤوه وفهموا بما يمتلكون من خبرات وقدرات على الفهم المقصود من كلامه جيداً.
هذه الحجج التي يسوقها الإيرانيون في كل مرة للخروج من المآزق التي يوقعون أنفسهم فيها بتصريحاتهم المتعجلة لا قيمة لها، وهي تحتوي إساءة بالغة كونها تتهم المتلقي بأن قدراته على الفهم محدودة، وبالتالي فهم الكلام بشكل مخالف للمقصود منه.
المثير في تبريرات المسؤولين الإيرانيين هو أنهم لا يقولون إن من صرح بهذا التصريح أخفق في التعبير، وإنما يقولون إنكم أنتم من أخفقتم في الفهم، وهذه قصة أخرى تحتاج إلى أكثر من مقال لتوضيحها كونها تكشف عن العقلية الفارسية التي لا تعرف إلا أن تنظر إلى العرب بفوقية.