لن تقف ولن تتوقف مسطرة المعايير المزدوجة للغرب حيال القضايا العربية والإقليمية بالشكل الذي تقدس فيها المصالح الأمريكية والغربية، فاليوم يتجلى مفهوم "لا صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، بل مصالح دائمة" بكل معانيه الحرفية، وذلك حين يميل الغرب نحو مصالحه حيث ما مالت تلكم المصالح.
من الممكن للغرب أن يشتم إيران ويحذر منها أول الصباح، وعند الليل يذهب للنوم معها، وفي اليوم التالي لا يتوانى الغرب في اتهام العرب بالإرهاب، وقبل أن يذهب للنوم يدعوهم على عشاء فاخر في فنادقه المطلة على البحر، وبين هذا التلون وذاك التناقض يعيش الغرب أحلى أيامه وساعاته.
هذه السياسات المتناقضة للغرب وضعت العرب في حيرة من أمرهم، فتارة يبدي الغرب استعداده للدفاع عنهم، وتارة يرميهم بشتى وسائل الاتهام، وهذا كله يمكن أن يكون في غضون ساعات قليلة فقط، وبهذا يمكن فهم السياسة الغربية بوضوح تام حين يهرول أصحابها وصناعها نحو مصالحهم، وعلى ضوئها يسطرون ملاحمهم البطولية في أمرين اثنين، النفط والسلاح، أما بقية الأمور فليست ذات قيمة عند هؤلاء القوم.
من المهم للعرب أن يبحثوا عن مصالحهم ولو لمرة واحدة في مشوارهم السياسي، ومن المهم جدا أن يتعاملوا مع الغرب بالمثل، كما من الضروري لهم أن يقوموا باختيار حلفائهم بعناية فائقة، فهنالك اليوم قوى كبرى مهمة في العالم، كروسيا والصين وغيرهما، يمكن أن يمدوا جسور تفاهم في ما بينهم بالطريقة التي تحفظ مصالح العرب من دون تدخلات أو ابتزازات أو صفقات، وأن يكونوا أقوياء في وجه الدول الكبرى حتى يفرضوا احترامهم على العالم.
من الضروري كذلك أن تقوم الدول العربية بمشاركة شعوبها في تحديد مصيرها ومصيرهم عبر استئناس رأيهم في طبيعة العلاقات الأجنبية، وأن تكون العلاقات بين العرب وغيرهم مبنية على توافقات قومية، تنظم مصالح العرب بشكل يحفظ كامل حقوقهم، وأن تكون للشعوب العربية كلمة فارقة في هذا الأمر، لأن العلاقات الدولية والبينية هي التي ربما تحدد شكل المستقبل، وتحدد بوصلة الطريق وخارطته، أما أن تبنى العلاقات بطريقة تهدر فيها كرامة المواطن العربي لأن هنالك من لا يراعي سوى مصالحه، فهذا لا يجب أن يكون، فزمن الاستغفال ولى، ولا يجب أن يعود بأي شكل من الأشكال.
لا يمكن للعرب أن يقوموا بإنشاء علاقات وصداقات دولية تتسم بالمخاطرة مع دول لا يهمها مستقبل العرب أو حتى شكل أوطانهم النهائية، بل يجب أن يحددوا شكل الصديق قبل العدو، وأن يقفوا موقف الند من الدول التي تحاول ابتزازهم، وأن يكونوا فاعلين ومبادرين وسباقين لكل المبادرات التي من شأنها أن تضعهم في المقدمة، خصوصاً إذا ما عرفنا أننا نملك نصف ثروات العالم، أما النصف الثاني فيكمن في الاتجاه نحو بناء أوطاننا بالعلم والمعرفة وتمكين الإنسان أولاً وأخيراً، والأهم من كل ذلك هو الاستغناء عن الغرب، ذلك الصديق العدو.