من الأخبار الاجتماعية اللافتة التي اهتمت بها صحافة العالم الأسبوع الماضي؛ خبر دخول الأكوادور موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعدما قامت بزرع 250647 شجرة في يوم واحد. مثل هذا الفعل الإيجابي الجميل لو دعوت الجمعيات السياسية هنا إلى وضعه في برنامجها بغية تقديمها مفيداً للمجتمع لجاءك ردها سريعاً وملخصه "إن هذا شغل الحكومة".
الحكومة تستطيع القيام بمثل هذا النشاط وغيره سواء لتحقيق رقم قياسي أو بعيداً عن هذا الهدف، ولكن ليس صحيحاً أبداً أن هذا الأمر من مسؤوليات الحكومة فقط، حيث يمكن للجمعيات السياسية الاستفادة من التسهيلات التي يمكن للحكومة أن توفرها بغية إنجاح مثل هذه الأنشطة التي بها يمكن لهذه الجمعيات أن توفر لأعضائها الفرصة ليعبروا بشكل عملي عن حبهم لوطنهم ولمجتمعهم، حيث حب الوطن لا يكون بالكلام ورفع الشعارات والاعتصامات والخروج في مظاهرات ولكن يكون بالعمل، وليس أسهل من مثل هذه الأعمال كي تسجل لهم، من دون أن يعني هذا الدعوة إلى السعي إلى تحقيق أرقام قياسية للدخول في موسوعة غينيس.
الجمعيات السياسية، وعلى الخصوص جمعية الوفاق "الوطني الإسلامية"، تردد دائماً بأن أعضاءها بالآلاف وأن مناصريها بالآلاف، فلماذا لا تقبل على مثل هذه الأنشطة التي من شأنها أيضاً أن تفتح أبواب رزق للكثيرين ويأتيها "الآلاف" من الأعضاء الجدد والمناصرين؟ ليس مشروع التشجير فقط، فهناك الكثير من المشاريع التي يمكن تنفيذها لتحقق هذه الغاية.
أليس تصليح الشوارع وتنظيفها أفضل من تخريبها وتوسيخها وتعطيل مستخدميها وتعريضهم للخطر؟ أليست المشاركة في بناء بيوت للمواطنين غير القادرين على تحمل نفقات البناء عبر توفير الخبرات التي يمتلكونها وقوة العمل أفضل من تخريب بيوتهم والتسبب في إيداع أبنائهم السجون وإرباك مستقبلهم؟ أليست مساعدة العاطلين عن العمل بالسعي لتوفير مصادر رزق لهم أفضل من دعوتهم للوقوف في الشمس الحارقة وتشجيعهم على الصراخ حتى تلتهب بلاعيمهم وتبح أصواتهم؟
امتحانات الفصل الثاني على الأبواب، وهناك الكثير من الطلبة الذين هم في حاجة ماسة إلى من يعينهم على فهم بعض ما لم يتمكنوا من فهمه في المدرسة لسبب أو لآخر، لماذا لا تشجع الجمعيات السياسية أعضاءها ومناصريها على التطوع للقيام بهذا العمل المفيد؟ أليس هذا أفضل من تشجيعهم على ترك مقاعد الدارسة والمشاركة في أمور لا يفهمون غالباً الغرض منها؟
كثيرة هي الأنشطة التي يمكن لهذه الجمعيات السياسية تنفيذها لتثبت وطنيتها وحبها للمواطنين، كل ما تحتاجه هو الانتباه إلى هذا الأمر والتفكير في السبل التي يمكن أن تعود على المجتمع بالخير. مجرد الإعلان عن عزمها تقديم عمل مفيد للمجتمع ستحصل على ألف فكرة وفكرة، تختار منها واحدة أو اثنتين لتترجمهما إلى واقع، فيدعو لها المواطنون بالخير ويقروا أنها قدمت ما ينفع ويعلوا من شأنها، ولا مانع من تنفيذ بعض هذه المشروعات بالتعاون مع الحكومة التي ستقرأ هذا الأمر على أنه رسالة فتحيي بمثلها أو بأحسن منها.
هذا هو أسلوب من يريد بالفعل خدمة المواطنين والمجتمع والوطن، وهو خير، بينما ما تقوم به الجمعيات السياسية حالياً بعيد عن الخير ولا يورث إلا الأذى وتعقيد المشكلة، ويصنفها في خانة المسيئ والمتطاول على القانون والأعراف والعادات والتقاليد.
بالتأكيد، فإن من حق الجمعيات السياسية أن تمارس العمل السياسي، ولكن من قال إن أنشطة كالتي تم ذكرها بعيدة عن السياسة؟ يكفي أن من يقوم بها جمعيات سياسية لتصنف على أنها عمل سياسي. الفارق هو أن هذا العمل يحسب لها بينما الأعمال الأخرى والممارسات الناقصة تحسب عليها ولا تفيدها أو تفيد من ترفع راية الدفاع عنهم.