«ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي»
نعزي أهلنا أولا في المملكة العربية السعودية على قتلى القديح ونسأل الله أن يلهمهم الصبر والسلوان ونسأل الله أن يحفظ المملكة العربية السعودية من شرر الفتن.
وأرغب اليوم بتحويل الجدل الذي يدور حول الجهة التي تقف خلف هذا العمل الدنيء أن كانت إيران أو كانت داعش أو كانت إيران تقف خلف داعش كما هي خلف القاعدة الآن، لننتقل به إلى الجدل حول الجهة التي مكنت رجال الدين من امتلاك «مفتاح» العقول دون أن يجرأ أحد على مشاركتها في المفتاح.
رجال دين شيعة وسنة يحيطون أنفسهم بسياج الحرمة وتمنحهم الدول حصانة فلا يجرؤ أحد على جدالهم والاختلاف معهم، هم وحدهم من يملكون مفاتيح عقول الشباب حصرياً ومنهم ومن بينهم رجال دين أجازوا قتل من يختلف معهم في العقيدة.
لا يختلف أسلوب القتل بعد ذلك إن كان تفجيراً تقتل به عشرين في يوم واحد أو كان حرقاً أو كان بقذيفة أو كان بمولوتوف أو كان بسكين أو برصاص وتقتل به عشرين في سنة. في النهاية التخريجة الفكرية التي أجازت قتل المختلف عقائدياً أدخلها رجال دين أقنعوا بها هؤلاء الشباب، فيجوز للسني قتل الشيعي لأنه شيعي ويجوز للشيعي قتل السني لأنه سني.
هو ذات المفتاح الذي مكنهم من الدخول لعقول شباب لبنانيون يتركون وطنهم وأهلهم ويحملون السلاح ويَقتلون ويُقتلون دفاعاً عن ماذا؟ عن مراقد للأئمة في بلد آخر!! وأقنع مفجر القديح أن يقتل سعوديين من بلده جيرانه وأهله دفاعاً عن عقيدته!! وأقنع قاتل المصلين السنة الأربعين في مسجد أبي حنيفة النعمان في العراق أن قتلهم حلال، هو ذات المفتاح الذي أقنع شباباً بحرينيين أن حرق البشر أحياء جائز وصوروا لهم جرائمهم على أنها جهاد مقدس ووضعوا لهم المؤثرات الصوتية والأناشيد التي تظهر جرائمهم على أنها بطولات دينية وغنوا لهم أن تسلم أياديهم التي أحرقت البشر أحياء من النار!!
شبابنا مقتنع أن الحرب التي خاضها هي جهاد مقدس وأنها حرب دينية وأنه إن مات أثناء أو بعد مهمته سيموت شهيداً وأن من سيقتله سيدخل النار.
إيران وإن كانت هي من يقف وراء داعش وذلك ليس بمستبعد وهي التي ثبتت علاقتها بالعديد من شخصيات القاعدة رغم اختلاف العقائد، وإيران وإن كانت تقف وراء تفجير المراقد في النجف وكربلاء، ولا أستبعد. وإيران وإن كانت تقف وراء من فجر مسجد القديح أيضاً فلا أستبعد، إنما في النهاية نفذت جرائمها بيد شبابنا، من قتل السنة هم شيعة عرب، ومن ينفذ جرائم القتل في الشيعة هم سنة عرب، في كل الأحوال من يقوم بالقتل هم شباب عربي سلم مفتاح عقله لرجال دين سنة وشيعة بعضهم مندس بعضهم جاهل.. وبعضهم تاجر دموع.. وبعضهم تاجر لحوم البشر.. وبعضهم معقد نفسياً.. وبعضهم متعطش للدماء يتحصنون وراء حرمة لحومهم ووراء سمها. وجدوا مكاناً آمناً لبث ما يشاؤون من أفكار مادمت الدولة منحتهم حق احتكار المفتاح.
أدخلوا في عقول شبابنا، حقا ليس حقهم، فصدق من قتل عشرين في القديح أن هؤلاء يستحقون الموت لأنهم لا يعبدون الله كما يجب فحكم عليهم بالموت، كما صدق من قتل عشرين في الأنبار أنهم يستحقون الموت لأنهم لا يحبون أهل البيت كما يجب، وصدق من وضع المتفجرات في العكر أن رجل الأمن يستحق القتل لأنه ناصبي لا يعبد الله كما يجب.
من أقنع مفجر القديح بأنه شهيد قبل أن يموت غير رجل دين؟ ومن أقنع مفجر الشحي بأنه شهيد قبل أن يقبض عليه غير رجل دين؟ و من أقنع من حرق الكساسبة أن حرق البشر أحياء حلال؟ ومن أقنع من دهس المريسي أن دهسه حلال غير رجل دين؟
المفتاح الذي يستميت رجال دين لاحتكاره في عالمنا العربي هو الوعي هو العلم هو السؤال هو البحث هو المعرفة وكل تلك الأدوات تقود للفتنة وتقود للبدعة. وبالتالي فهي محرمة تحصيناً للدين كما يروجون، كيف تمكن رجال دين من إقناع هذا الشاب الحامل لأداة القتل في السعودية والبحرين ولبنان والعراق أنه يخوض حرباً دينية لو لم يكونوا محصنين من النقد لو لم يكونوا خطاً أحمر لو لم يحتكروا المفاتيح.
كيف تثار ضجة ويحارب مثل هذا المقال وهذا الخطاب حتى لا يجرؤ أحد ويمس الحصن المنيع مرة أخرى؟ إلا بتحويله وتحريفه من نقد لحصانة رجال دين إلى نقد للدين.
اليوم إيران وغداً أمريكا ومن بعده روسيا وكثيرون غيرهم يتربصون بنا ويسرهم أن يجدوا مكاناً آمناً لعملائهم ينفذون أجنداتهم، مكاناً محصناً محمياً من الدولة ويكفر ويخرج من الملة من يمسه بكلمة، يخشاه المثقفون وتخشاه الحكومات فهل هناك وظيفة أكثر مناعة في الدول العربية من وظيفة رجل الدين؟
اللهم يا بارئ الخلق إننا نبرأ ممن تحصن منهم خلف ستار دينك، ونبرأ ممن نازعك الحكم على عبادك.
اللهم أننا نحمدك ونشكرك على نعمة الشجاعة، فلا نخشى فيك لومة لائم حين يكون القاتل من جماعتنا فندينه بلا تردد، اللهم أدخل على قلوب الجماعات الأخرى شجاعة أسبغتها علينا بأن يدينوا القاتل إن كان من جماعتهم ولا يخشون فيك لومة لائم حينها.