لم يبق أحد ولا جهة رسمية أو أهلية إلا ودان الهجوم على مسجد بالقطيف، حيث قام متطرف يخبئ حزاماً ناسفاً تحت ملابسه بتفجير نفسه وتسبب في استشهاد أكثر من ثلاثين شخصاً، وجرح أكثر من مائة. الكل دان وشجب واستنكر، والكل عبر عن غضبه ورفضه لهذه الممارسات التي يذهب ضحيتها أبرياء كل ذنبهم أنهم تواجدوا في بيت من بيوت الله ليعبدوه. الكل وصف العمل بأنه إرهابي وجبان ولا دين له، والكل قال إنه عمل لا ينتمي إلى الإنسانية، وإنه سيفشل في تحقيق أغراضه السياسية الدنيئة، والكل أيد سماحة مفتي المملكة العربية السعودية في لعنه لمن خطط للتفجير ودبر له وأعان عليه.
ولكن؛ هل تكفي الإدانة والشجب والاستنكار والتعبير عن رفض مثل هذه الممارسات لمنعها ووضع حد لها؟ هل يمكن القضاء على الإرهاب بهذا، بعضه أو كله؟ هذا سؤال مهم يحتاج إلى إجابة مسؤولة.
بعد هذا الحادث الأليم والهجوم الجبان الذي للأسف لم يعد يمر يوم على البلاد العربية إلا ويحدث في واحد منها أو أكثر يأتي السؤال الأكبر؛ هل يشعل حادث القطيف الحرب بين السنة والشيعة في المنطقة؟ أم يكون سببا في الوحدة ووقوف الجميع صفاً واحداً ضد الإرهاب ويتحقق التعاون المنشود لدحره وقطع دابره والتفرغ لعبادة الخالق سبحانه وإعمار الأرض؟
من الطبيعي أن تكون ردات الفعل الأولى عاطفية؛ فيصدر من هذا وذاك كلام لا يصب في الصالح العام ويوجه كل شخص الاتهامات إلى كل جهة يعتقد أنها مؤهلة لتوجه إليها، وهو ما يسهل تبينه في وسائل التواصل الاجتماعي التي أكدت انقسام الناس في كل مكان إلى فريقين؛ فريق مؤيد ومبرر وفريق رافض يستنكر ويدين. لكن مواقف الدول تختلف، فليس معقولاً مثلاً أن تؤيد المملكة العربية السعودية حدوث مثل هذه العمليات على أراضيها، وليس معقولاً أن تسكت عنها لأنها المتضرر الأكبر منها.
في حسبة بسيطة يمكن القول إن تفجير إرهابي لنفسه في مسجد للشيعة في المنطقة الشرقية يؤثر سلباً على التقدم الذي تحرزه قوات التحالف العربي في اليمن، ويفتح على المملكة باباً يصعب إغلاقه، خصوصاً مع توفر من لا يوافق المملكة على قيادتها لقوات التحالف والحرب في اليمن على أراضيها سواء من السعوديين أو اليمنيين أو غيرهم، وبالتالي فإنه يستبعد القول إن للسلطة في السعودية مصلحة من حدوث هذا التفجير كما سعى البعض إلى ترويجه والقول إن تسهيلات حصل عليها المخططون للعملية أدت إلى ما أدت إليه.
ما حدث خطير، بل خطير جداً، وهو يزيد من مسؤوليات السلطات في السعودية وفي كل دول مجلس التعاون التي عليها الآن التعاون بقوة أكبر لمنع تكرار مثل هذه الممارسات، فمن غير المعقول أن تترك الباب مفتوحاً للإرهابيين ليشعلوا الفتنة بين أبناء البلد الواحد والمنطقة الواحدة.
إن أول ما ينبغي من السلطات الخليجية أن تقوم به هو التأكيد على متانة وقوة جبهتها الداخلية وقدرتها على توفير الأمن للجميع بتكثيف العمل للوصول إلى من يقف وراء العملية الإرهابية ومعاقبته، وتوفير المثال على أنها لا تفرق بين مواطنيها كي لا يجد المسيئون ثغرة يدخلون منها إلى ما يضعفها، فالعملية لم تستهدف مسجداً شيعياً ولم تستهدف الشيعة فقط ولكنها استهدفت السعودية، ومن يقف وراءها تحدى الأمن السعودي والأمن الخليجي.
السكوت عن ما حدث في القطيف سيفتح الباب على مصراعيه لتكراره في مدن سعودية وخليجية أخرى، ولن يطول الوقت حتى تتحول دول التعاون إلى مسرح يماثل المسرحين العراقي والسوري.
مسؤولية حكومات التعاون اليوم هي منع تشكل دول الطوائف.