ما يجري في المملكة العربية السعودية يحتاج من شعب البحرين الاجتماع والالتفاف حول بعضه بعضاً ومعالجة أي محاولات لشق الصف بالحكمة، ومجلس الشعب أحد أهم مواقع التجمع وقت الحريق، خاصة -وهذا هو المهم- أن شعب البحرين خرج منتصراً من نار الفتنة التي ألمت به فإن أخذ بالحكمة فإنه سيتصرف من موقع قوة لا من موقع ضعف.
إنما يبدو أن الإخوة في مجلس النواب غاب عنهم فقه الأولويات، ولم ينظروا إلى كامل المشهد وهم يتبادلون الاتهامات بين «الأصالة» وبين الرئيس ونائبه الأول حول ما أثير عن الطلب الذي يقال إن النائب الأول تقدم به لتعويض الموظفين المفصولين من المجلس.
الآن آخر همنا اليوم كشعب بحريني هو متابعة المعركة الدائرة بين كتلة الأصالة ورئيس مجلس النواب، وآخر همنا هو إدانة هذا الشخص أو ذاك أو تسجيل النقاط وتصفية الحسابات بينكم والخروج بانتصار لهذه الكتلة أو تلك، وبالنسبة لما دار حول النائب الأول لمجلس النواب، فحتى لو اتفقنا مع موقف السادة في «الأصالة» والرافض لتقديم الاعتذار لمن طالب بإسقاط النظام، إلا أن آخر ما ننتظره هو أن يتصدر هذا الموضوع المشهد العام في هذه المرحلة الحرجة.
وحتى لا يساء الفهم أنا أرفض مبدأ الاعتذار لمن طالب بإسقاط النظام في الدوار، فذلك طلب مرفوض ولن نقبل أن يكون من ممثلي الشعب، ذلك موقفنا ولن نقبل أن يزايد علينا أحد فيه، فلن ننسى ما حدث، إنما لا أعالج هذا الموقف الذي بدر من عضو واحد -إن صح- والأولويات غائبة عن عيني، لا أصعد الموضوع ليتصدر الساحة وأوظفه وأستغله لتصفية حساباتي، كان بالإمكان رفض الطلب ومنعه، دونما حاجة لهذه الضجة، فإن رأيتم أن هذا الطلب قد قدم تعمداً مثلما تقولون لشق الصف داخل المجلس كما تدعون فمعالجته بصمت كانت ستقطع عليه الطريق، دون إشغال الرأي العام به، فالصف العام بحاجة إلى التفاف الآن، لكنكم أضعتم بوصلة الأولويات وغابت عنكم الحكمة، وحققتم الهدف دون أن تشعروا، فلم نر غير شهوة الانتقام وتصفية الحسابات وتسجيل النقاط منكم، أحياناً تكون طريقة المعالجة أسوأ من المشكلة التي يراد علاجها وهذا ما حدث، وحين يكون الحريق على بعد عدة كيلومترات منا فنفتح ملفات جدلية كهذه الآن على الملأ فهذا –اسمحوا لي- انعدام إحساس بالمسؤولية وقصر نظر وانفعال غير محمود وتسرع.
عدا عن الوضع في المملكة العربية السعودية لدى المجلس الآن عدة جلسات فقط ويغلق أبواب الدور الأول وأمامه أهم قراراته وهو قرار الميزانية وهو هنا أحوج ما يكون للاجتماع على كلمة واحدة، لكنه مع الأسف تفرق إلى شيع وأحزاب في هذا الوقت الحرج، فخسر أهم أوراقه التفاوضية مع الحكومة، وبعد تلك البيانات والاتهامات المتبادلة فأي خير نرجوه وأي توحيد للمواقف نتوقعه من المجلس في مناقشة الميزانية، خلا الجو للحكومة الآن فلا تحتاج إلى جهد لإقناعكم بشيء فأنتم مشغولون بخلافاتكم البينية، لو كنت مكان الحكومة لكافأتكم على هذه الخدمة.
نتمنى أن «ترقعوا» أخطاءكم في ما تبقى من وقت المجلس وتعيدوا رص الصفوف من جديد، أنتم بحاجة إلى «ريستارت»، ومناقشة الميزانية في ظل هذه الأجواء ستجعل ختامها طيناً ووحلاً وليس مسكاً، وستسيء لكم جميعاً بلا استثناء، فلن يفلح أي عضو أو أي كتلة تحاول أن تظهر بطولاتها منفردة في هذه المناقشات، فتلك لعبة مكشوفة وممجوجة و«علجناها ولفظناها» فاحترموا عقولنا.
يبدو أنه كان للمجلس في بداية عمله في هذا الدور الانعقادي الأول بوصلة مركزية لتحديد الأولويات المشتركة عملت بشكل جيد وساعدته على تحقيق أهم إنجازاته وهي اجتماع كلمته، فكانت الإشادة للجميع بلا استثناء، إنما يبدو أن هذه البوصلة قد أصابها العطب.