لو تتبعنا ما تنشره صحافتنا، وما يركز عليه إعلامنا، سنجد أن التركيز الأكبر منصب على ما يجول في «خاطر» المسؤولين، سواء ما يعبرون عنه من أفكار وخطط ومشاريع، وأيضاً وعود وما يرتبط بها من «شعارات»، وأنه بالمقارنة مع المواطن الذي يفترض أن يكون الإعلام نبضه الأول، نجد أن نصيب الأسد يذهب لمن عليه أن يقدم الأجوبة للإعلام والناس.
نكتب ذلك، ونحن نلوم الصحافة أيضاً في توجهها بشأن التعاطي مع القضايا العامة في البلد، إذ الصحف تعج بصور المسؤولين، هي ملأى بتصريحات ومانشيتات عريضة، كثير منها يتضمن وعوداً وتطمينات ورسائل للناس بأن «الوضع طيب» وأن «القادم أفضل»، وهناك من المسؤولين لعبتهم التي يبرعون فيها أصبحت الإعلام والبروز بشكل جميل فيه، في حين أن عملهم الحقيقي على الأرض لا يشكل ثقلاً أو وزناً يحوز رضا الناس.
حتى مجالس بعض الوزراء التي كان البعض يتفاخر فيها باتت «تنقرض»، أو أقلها باتت تنحصر على من يسمع الوزير ما تطرب له أذنه، موقع الناس فيها بات لا يكاد يرى بالعين المجردة.
كثير من القضايا التي تثار في الشارع وتشهد استياء الناس لا يمكن رؤية موقعها في وسائل النشر والإعلام، باتت محصورة في صفحات «بريد القراء» وبتحفظ أو تصرف، أصبحت أعمدة كتاب الرأي بعضها وليست كلها المتنفس شبه الأخير لبث هموم الناس والتعبير عنهم.
هذه ظاهرة يمكن ملاحظتها، صوت الناس شبه مغيب أمام صوت المسؤولين، أو أمام صوت من يريد بيان أن الواقع «وردي جميل».
هناك قضايا تسببت بزوابع غضب، لكنك لا تلاحظها كوزير أو مسؤول إلا حينما تدخل على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حينما تقرأ مقالات لكتاب معينيين، وطبعاً لا تقنعونا بأن هناك مسؤولين لا علاقة لهم بمواقع التواصل الاجتماعي، إذ الجميع موجود فيها، وهناك من يدخل ويراقب وللأسف يسكت ولا يتفاعل، بل يحاول بيان أنه «لا يدري».
هدفنا مما نقول بأننا كدولة تصريحات مسؤولينا ملأى بأمور تهم المواطن وتعتبره محور كل شيء، وأنه أساس الحراك كله، إننا كدولة نقول ذلك، بينما كثير من المسؤولين يتصرفون وكأنهم لا يعرفون ماذا بالمواطن، وكثير من القرارات تتخذ والتوجهات يعلن عنها وكأن المواطن قابل بها دون أي نقاش، ودون أن تكون لديه أية ملاحظات.
خذوا على سبيل المثال موضوع رفع الدعم عن اللحوم مؤخراً، وقارنوا حجم الاستياء الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي بحجم ما تم نشره في الإعلام سواء الرسمي أو المقروء، ستجدون أن الإعلام الرسمي لم يشر لذلك على الإطلاق، وأن بعض الإعلام المقروء نشر مواضيع متناقضة كذلك الموضوع الذي يقول بأن «المواطنون يشيدون بقرار رفع الدعم»، في عنوان ومضمون بعيدين تماماً عن الواقع، وكأن هدفه هو تلميع الجهات المسؤولة ومدحهم على خطوة لم تحظ بتأييد الناس، بل لم تحظ بتأييد النواب ولا الشوريين أنفسهم مثلما قرأنا أمس في خبر اللجنة المشتركة الاقتصادية بين المجلسين، بل تعاطي بعض الإعلام المقروء مع الحدث اقتصر على رأي كتاب الأعمدة والمقالات وهي آراء خاصة بهم كتبوها باختيارهم وتقديرهم للموضوع.
الفكرة هنا بأنه لو كان المواطن هو الأساس كما نقول، فإن استقراء رأيه هو أهم وأول مرحلة من مراحل اتخاذ أي قرار، أو انتهاج أي سياسة، وعليه نتساءل: هل كلف أحد نفسه بأن يعرف ماذا يجول في «خاطر» المواطن، بدلاً من التركيز عما يجول في «خاطر» المسؤولين وما يريدون تطبيقه من خطط وسياسات وأمور؟!