استنكر الجميع العملية الإرهابية التي ضربت مسجد «القديح» بالقطيف، وهي بالطبع عملية شنيعة نكراء لا يمكن أن تتقبلها نفس بشرية سوية، هذه العملية لا تختلف عن العمليات الإرهابية التي ضربت البحرين منذ التسعينات، والحديث عن ضحاياها يطول؛ فالضحايا الذين قضوا فيها من رجال أمن ومواطنين وأجانب، جميعهم ضحايا الكراهية والحقد اللذين لا يشبعهما إلا زهق الأرواح البريئة.
وها هي وزارة الداخلية مازالت حتى أمس تواصل القبض على الإرهابيين ممن يقومون بصناعة المتفجرات والأسلحة التي تستخدم في تنفيذ جرائمهم. فمن يدين العملية الإرهابية التي ضربت مسجد «القديح» عليه أن يدين العمليات الإرهابية التي تقع في البحرين، خاصة أن إحدى هذه العمليات كاد أن يفوق عدد ضحاياها عدد ضحايا مسجد «القديح»، وذلك عندما انفجرت سيارة مفخخة في مواقف سيارات مسجد الشيخ عيسى بالرفاع أثناء صلاة التراويح.
ولولا عمل وزارة الداخلية المضني ومجهودها الجبار في التصدي للإرهاب، لصارت البحرين مثل العراق، فالأسلحة والمواد المتفجرة التي تم ضبطتها كفيلة بأن تحرق بلداً بأكمله. إذاً فالإرهاب واحد، سواء كان عبر تفجير الأشخاص عن بعد أو التفجير وسطهم، فكلا المنفذَين من أصحاب فكر منحرف ووجدا أن الوصول إلى سدة الحكم هو سفك الدماء.
ربما خطاب المظلومية بعد العملية الإرهابية التي ضربت مسجد «القديح» قد يتضاعف من قبل البعض، وذلك حين تتخذ جهات هذه الذريعة، لكن على الجميع ألا يسمح لمثل هذا الخطاب الذي تعتمد عليه إيران في تجنيد الإرهابيين، في الوقت الذي تسكت الدولة التي تواجه الإرهاب عن الحديث عنه بوضوح في وسائل الإعلام، وقد يؤدي هذا السكوت لفتح المجال للأبواق الطائفية للتأليب على الدولة واستمرار خطاب الكراهية والمظلومية الذي تحرص إيران على استمراره والدفع به كلما فتر، هذا الخطاب الذي خرج من دائرة رجال الدين وصار خطاباً نسمعه على كل لسان «من مسؤول أو طالب أو حتى طفل»، وخير دليل على ذلك عندما عشنا المؤامرة الانقلابية حيث مارس الإرهابيون أبشع وسائل الانتقام والثأر التي طالما رددها بعض الشيوخ، ولابد أن نذكر هنا بعض من هذه العمليات الإرهابية؛ ومنها قطع لسان المؤذن وهرس المريسي تحت عجلات السيارة.. والقائمة تطول.
السؤال؛ من هو رأس الحية؟ ومن هو أبو الإرهاب؟ إنه الخطاب والدعم الإيراني الذي يحصل عليه الإرهابيون في العراق والبحرين وحتى «داعش»، فنحن لسنا أغبياء لنصدق أن «داعش» يمكنها أن تسيطر على مدن ومناطق في العراق وسوريا، وأن يهرب منها جيش مسلح بدبابات وقنابل ومدافع وطائرات، «داعش» التي تضرب مواقعها قوات التحالف ليل ونهار، ثم يستعان بحشد شعبي لمواجهتها، وذلك حين يسعون لتصوير قوة «داعش»، هذه «داعش» التي تستخدمها إيران لإبادة أهل في العراق، ثم يوهموننا أن «داعش» سنية عندما تنفذ عملية إرهابية ضد أبناء الشيعة. ونصل من هنا بأن الإرهاب ليس له دين ولا مذهب، إنما هو عمل اتفق عليه الأشرار من البشر ضد هذه الأمة لتقسيمها إلى دويلات متنافرة كي يسهل تركيعها وإذلالها، كما تم تركيع وإذلال الشعب العراقي.
نعود إلى خطاب المظلومية والتحريض الذي يجد فيه الطائفيون متنفساً لهم في جريمة مسجد «القديح»، حيث خرجت في البحرين مسيرة طائفية بتاريخ 23 مايو 2015 بدعوى التضامن مع «القديح» وحملت فيها شعارات طائفية، في الوقت الذي لم تخرج مسيرات في القطيف وهم أصحاب المصيبة وأهالي الضحايا، بل كانوا أعقل من ذلك، ونظن أنهم عرفوا من يقف خلف هذا التفجير الإرهابي، حيث هاجم أهالي القطيف إمام مسجد «القديح» الذي اعتذر عن الحضور يوم التفجير لأسباب صحية، وهي إشارة مفهومة وواضحة الدلالة من التسجيل الذي تم تداوله.
إذاً العملية الإرهابية التي ضربت مسجد «القديح» عملية مدانة ومرفوضة، ولكن يجب على من استنكرها أن يستنكر العمليات الإرهابية التي ذهبت ضحيتها أعداد كبيرة من رجال الأمن والمواطنين والأجانب، ولا يمكن أن ننسى هؤلاء الضحايا، ولن ننسى الأيام التي عشناها خلال المؤامرة الانقلابية، فهي تعيش في ذاكرتنا وذاكرة أجيالنا، فقد عشنا أياماً مرعبة، ورأينا الضحايا بعيوننا وكانت أشلاؤهم تتطاير، شاهدنا كيف بترت أطرافهم وطمست عيونهم وقطعت ألسنتهم، شاهدناهم في ساحة الجامعة وكيف سفكت دمائهم، عشنا الإرهاب ليل نهار ولانزال نعيشه، ونحن نؤازر أهل القطيف ونعيش مرارتهم فقد شربناها قبلهم.