الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله الذي بدا فيه بصحة أفضل، وقال فيه كلاماً كثيراً وسجل مواقف ووجه وأعطى تعليمات ودافع عن مواقف حزبه من مختلف المؤسسات السياسية اللبنانية والدول الأخرى والأحداث، هذا الخطاب وردت فيه جملة ينبغي التوقف عندها وفحصها ملياً، حيث قال «هذا دفاع عن سوريا والعراق وفلسطين واليمن وكل مكان على امتداد منطقتنا.. وحضورنا سيكبر كلما اقتضت المسؤولية».
الجملة وردت في سياق حديثه عن تواجد مقاتلي الحزب في سوريا، والذي كان ينكره في السابق، قبل أن يعلن إنه لتحرير الأراضي اللبنانية ثم لتأمين الحدود، وأخيراً أعلن عن العزم على توفيرها في كل بقعة من سوريا يتطلب تواجدها فيها، وزاد على ذلك قوله إن ما يقوم به حزب الله هو دفاع عن سوريا، وإن هذا الدفاع في نهاية الأمر دفاع عن العراق وفلسطين واليمن، وعن كل دول المنطقة «لمواجهة» المخطط الصهيوني والأمريكي الرامي إلى تقسيم المنطقة بعد إضعاف دولها.
ما يفهم من تلك العبارة الخطيرة مسألتان؛ الأولى هي أن حزب الله نصب نفسه مسؤولاً عن أمن كل البلاد العربية واعتبر أن دوره اليوم يتمثل في مد يد العون ومشاركة كل دولة تتضرر أو تعتقد أنها تتضرر من ذلك المخطط الذي أداته داعش والتنظيمات المتطرفة، حيث العبارة توحي بأن مقاتلي الحزب رهن الإشارة، أي أنهم على استعداد للتواجد في أي بلد عربي يتطلب تواجدهم فيه. والثانية هي أنها تبدو كقرار اتخذه الحزب مفاده أن حضور مقاتليه سيكبر في تلك الدول كلما اقتضت الضرورة، وهذا يعني أننا سنرى تواجداً لحزب الله في بلدان أخرى غير التي ذكرها ومنها البحرين التي لم ينس أن يأتي على ذكرها في خطابه كما جرت العادة، وهو ما يفهم منه أيضا أن الدعم الحالي الذي يحصل عليه البعض هنا سيزداد، وأن تواجد مقاتلي الحزب في البحرين لن يكون بعيدا، فمقاتلوهد سيأتون عندما «تقتضي الضرورة».
وبما أن حزب الله ليس إلا الجناح العسكري لإيران فإن هذا يعني أن إيران قررت أن تتدخل بشكل مباشر في كل الدول العربية وتفرض ما تريد بحجة حمايتها من المخطط الصهيوني، وكأن الدول العربية عاجزة عن الدفاع عن نفسها. مثل هذا القرار الذي يبدو أنه جرى فيه القلم هدفه واضح؛ وهو تخويف الدول العربية من أمريكا وإسرائيل والغرب أملاً في أن تلجأ إلى حضن إيران وتسلمها «الخيط والمخيط» فيتحقق لها أمر السيطرة على المنطقة من دون تعب، ومن ثم العبث فيها كيفما تشاء، خصوصاً أن توقيع الاتفاق النووي مع الغرب صار قاب قوسين أو أدنى.
فإذا أضيف إلى كل هذا ما حصل في مسجد الإمام علي بالقطيف؛ فإن مبررات الدخول في هكذا مشروع تزداد وتقوى، وهذا يعني أن المنطقة على أبواب مرحلة صعبة وأن العنف هو الذي سيسود.
لكن؛ كيف لإيران وذراعها العسكري هذا أن يتمكنوا من الدفاع عن الدول العربية المعرضة «للتقسيم والهزيمة بسبب المشروع الأمريكي الصهيوني» وهي لم تتمكن من توفير المثال الذي يمكن أن يدفع هذه الدول للثقة فيها؟ ألم تخيب ظن الحوثيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تحالف دمر كل بنيانهم؟ ألم يشهد العالم كيف أنها لم تتمكن من فعل شيء يفيدهم سوى إرسال الأغذية والأدوية بحراً؟ ألم ير العالم بأم عينيه كيف أن ضعف إيران دفعها إلى الاستجابة للأوامر فأفرغت حمولة سفينة المساعدات في جيبوتي؟
كلام إيران وحزب الله هو لزوم الدعاية وتغطية العجز، لكن هذا لا يعني التعامل مع ما احتواه خطاب نصر الله بلا مبالاة، فتلك الجملة خطيرة ومقلقة