من الإجحاف أن تستخدم الميزانية كورقة مساومة مقابل أمور أخرى سواء من قبل الحكومة أو النواب
قام النواب في جلستهم الأخيرة بربط تمرير الميزانية بإبقاء الدعم على ما هو عليه، وألا يتم رفع الدعم عن اللحوم، وما يعقبها من سلع وخدمات، واضح أنها وضعت على سلم ترتيب رفع الدعم، ولن أقول «إعادة توجيه»، لأن إعادة التوجيه –كما قلنا بالأمس- يعني أن يوزع الفائض الذي يتم توفيره على الناس، لا أن يتجه في نطاقات أخرى ومنها سد عجوزات الميزانية.
الآن يستخدم النواب الميزانية كورقة، مثلما في حالات أخرى استخدمت الحكومة الميزانية كورقة، بالتالي أمامنا حالة معادلتها الصريحة تتمثل بـ«هذه بتلك».
وبغض النظر عن المضمون والهدف، إلا أن عمليات الربط هذه هي ما جعلت كثيراً من الأمور تتعطل، وهي ما وصلت إلى أن تتخذ قرارات وإجراءات في أحيان عديدة بمعزل عن النواب، باعتبار أن هذا أفضل بتفادي «إزعاجهم»، في الضفة الأخرى يضطر النواب ربط الأمور ببعضها وبالأخص تمرير الميزانية على أمل أن يحققوا شيئاً مما يريدون من الحكومة.
نسترجع سيناريوهات الميزانية السابقة، حينما تم ربط زيادة الرواتب وعلاوة الغلاء بتمريرها، وكيف كانت النهاية (والحق يقال إنها نهاية مكررة) بأن تمرر الميزانية وما طالب به النواب يواجه بذريعة العجز الإكتواري.
لكن هذه المرة، الإحساس قوي بشأن ربط الميزانية بموضوع الدعم، إذ ما قد يكون سيناريو محتمل حصول بعد أيام، أن يتم التوافق على تمرير الميزانية وحتى على قبول رفع سقف الاقتراض الذي سيزيد الدين العام ويجعله يقفز إلى حاجز السبعة مليارات من الدنانير، في مقابل أن يظل الدعم على ما هو عليه دون تغيير، وهو الأمر الذي يعكسه موقف مجلس النواب وبحسب ما نشرته الصحافة بالأمس.
ان كنتم تريدون تمرير الميزانية بلا تعقيدات، فلا ترفعوا الدعم وابقوا الوضع على ما هو عليه، وعليه حتى قبول طلب وزارة المالية برفع سقف الاقتراض سيتم.
هذا السيناريو الذي نتخيله وفقاً للمعطيات وبناء على التصريحات من الجانبين، مع ربطها بالإشارات الصريحة أن موضوع رفع الدعم (عفوا إعادة توجيهه) سيطال أموراً أخرى، في ظل ترديد القول بأن هذا هو الأصلح لخفض المصروفات وتجنب زيادة العجز المالي للدولة.
الأيام القادمة ستكشف الكثير، لكننا هنا نسجل للتاريخ رأياً نيابة عن المواطنين نقول فيه إنه من الإجحاف أن تستخدم الميزانية كورقة مساومة مقابل أمور أخرى، سواء من قبل الحكومة أو النواب، والمؤسف أن الأمور الأخرى دائماً ما تكون مرتبطة بالمواطن وتؤثر عليه، إما برفض زيادة رواتب، أو بعدم إمكانية تحقيق بعض المطالب الخدمية لصعوبة تحقيقها في ظل الوضع المالي المتأزم، إلى آخرها من ملفات قد تدخل جدل المساومات وتنتهي بما سيعبر عنه تحت مصطلح «التوافقات».
فقط نقول إننا نتمنى أن نجنب هذا المواطن أي ضـــرر كـــان، أو أي انتقاص مـــن وضعـــه المعاش يقع عليه نتيجة السجال التشريعي بين السلطتين. في المقابل نطلب من الدولة تصحيح كثير من عمليات التخطيط وأساليب وضعها وإبدال الأشخاص بآخرين أكفاء، إذ كما قلنا بالأمس، حينما يصل الدين العام لحاجز المليارات السبعة، وحينما يفهم من كلام بعض الوزراء أن وضع البلد المالي سيء ينذر بالخطر، حينها إن قلنا إن لدينا مشكلة في سوء إدارة المال العام والتخطيط له، فإننا لا نحيد عن تشخيص الواقع بشكل دقيق قيد أنملة.
- اتجاه معاكس..
كلام النائب أحمد قراطة بشأن الهيئات والقطاعات التي ترصد لها ميزانيات ضخمة في وقت هي مطالبة بتحقيق إيرادات، كلام يحتاج على وقفة. إذ حينما توجد هيئة أو قطاع يفترض أنهم يساهمون في تعزيز الدخل القومي ودعم الاقتصادي يأخذون من الدولة أكثر مما يعطون فإننا هنا أمام خطأ واضح أنه نتاج عدم وضوح في الرؤية، إضافة لعدم نجاعة ونجاح في الأداء.
هذه الحالات يجب أن تدرس بعناية، وأن تفصل وضعياتها بالأرقام، إذ لا يعقل أن تربي «بقرة» لتدر منها اللبن، فإذا بها تستهلك كل «العلف» الذي لديك ولا تدر في المقابل نقطة لبن واحدة.