من المؤكد أن هناك بعض الظلم يقع على المواطنين، إذ لايزال يعمل بعض مسؤولي الدولة على قائمة الوفاق التي تم توظيفها بالكامل، إضافة لذلك يعمل هؤلاء المسؤولون على توظيف من أبرمت معهم وزارة العمل عقوداً ومن وزعتهم «تمكين» على المؤسسات الحكومية، فيما حرم من ذلك باقي الخريجين ممن لم ترد أسماؤهم في القائمة، أو من لم يحالفهم الحظ في إبرام عقود مع وزارة العمل وتمكين قبل 2011، والتي ظل العمل بها حتى 2011، وذلك حينما لجأت وزارة العمل آنذاك بالتعاون مع «تمكين» بعدما غصت المؤسسات الحكومية بتوظيف هذه القوائم رغم عدم حاجتها، حيث تم اللجوء إلى توزيع متدربين لديهم عقود مع وزارة العمل، حيث استمروا في العمل في بعض مؤسسات الدولة المختلفة، حتى بدأ التحرك من الجهات نفسها بتحريك قضية «الدغلباز» التي اتبعتها وزارة العمل إبان فترة تعنتها عندما كانت لمسؤوليها اليد الطولى على معظم مؤسسات الدولة، من خلال التنسيق مع نواب الوفاق ومسؤول «تمكين».
إن هذا الأسلوب بحصر الوظائف والتعليم والتدريب في الدولة على قوائم وعقود خاصة، هو نفسه الدور الذي قامت به مسؤولة البعثات بوزارة التربية والتعليم خلال العقود الماضية، حيث حرمت المكون الرئيس من مواصلة تعليمه الجامعي، إذ لا أحد يعلم كيف كانت تسير عملية التوظيف والعقود في وزارة العمل، فهي عملية غير معلنة يتم عجنها وخبزها خلف الكواليس.
الغريب في الأمر أن بعضاً من مسؤولي المؤسسات الحكومية قد تحمس للعملية نفسها، والذين نراهم اليوم يعدون بتوظيفهم بالتنسيق مع وزارة العمل، وذلك تزامناً مع تسليط الضوء عليهم من قبل إعلامهم الذي لا يحرك قضية إلا وفيها منفعة تحقق مصالحه السياسية، فهذا لم يعهد من مسؤولي المؤسسات الحكومية الذين من المفترض أن يرفضوا هذا النوع من التوظيف الظالم والذي يسلب ديوان الخدمة سلطته، ويحرم المواطنين من فرص العمل.
كما نذكر هنا شيئاً من علاقة وزارة العمل المباشرة مع المجلس العلمائي غير الرسمي آنذاك، حين ذهب مسؤولوها إلى رجال الدين يناقشون معهم -على حد زعمهم- حل قضية البطالة، ومنها ما نشرته بعض الصحف في 21 ديسمبر 2005، بأنه تم لقاء بين عيسى قاسم والمدعو عبدالله الغريفي ومسؤول من وزارة العمل، حيث اتفق معهما بأنه سيتم التنسيق مع المؤسسات الأهلية والثقافية والصناديق الخيرية، والتي ستقوم بدورها لدعوة الباحثين عن عمل.
كما صرح المسؤول نفسه بأن الوزارة ستعمل على تعيينهم في القطاعين العام والخاص، وأن فريق العمل في المشروع قام بحصر الوظائف المتوفرة في القطاع الخاص والتي يبلغ عددها أكثر من 45 ألف وظيفة مستهدفة، مؤهلة لأن يشغلها المواطنون في مستويات المشروع الثلاثة «دون الثانوية والثانوية العامة والجامعي»، كما صرح أيضاً -وهو الأهم- بأن فريق العمل حصل على جميع الشواغر الوظيفية في القطاع العام المدني من خلال التنسيق مع ديوان الخدمة المدنية، إذ بلغ عدد تلك الشواغر في جميع المؤسسات الحكومية «1734» وظيفة، مع تخصيص موازنة قدرها 30 مليوناً للمشروع.
فبالله عليكم لماذا لم تستوعب 45 ألف وظيفة في القطاع الخاص هذه القوائم؟ ولماذا عمدت وزارة العمل بالتنسيق مع «تمكين» على إبرام عقود مع قوائم العاطلين لديها ومن ثم تعيينهم بالمؤسسات الحكومية بحجة كسب الخبرة والتدريب؟ وبالله عليكم كيف يعقل أن يقدم ديوان الخدمة المدنية «1734» لتتولى وزارة العمل التوظيف عليها؟ وأين حق أولئك الخريجين الذين كانوا يلفون بشهاداتهم على المؤسسات الحكومية آنذاك دون اهتمام من وزارة العمل ولا «تمكين» ولا المؤسسات الحكومية التي غلبت على أمرها!!
وها هو وكيل وزارة العمل صباح الدوسري يعلن الحل لأصحاب العقود، ويقول: «كان عليهم القبول بخيار العمل في القطاع الخاص، عوضاً عن القطاع العام الذي لا سلطة للوزارة عليه»، كما صرح أيضاً: «لو أن العاطلات وافقن على العروض التي قدمت لهن من قبل الوزارة لتم تفادي ذلك، ولكن توظيف العاطلات في المؤسسات الحكومية، وخاصة في هذه الظروف التي نمر بها تحديداً في ما يتعلق بهبوط النفط والتوجه إلى تقليص موازنات الوزارة، مسألته تبدو صعبة».
لكن على ما يبدو أنها محاولة من بعض مسؤولي المؤسسات للضغط على ديوان الخدمة، برغم علمهم بمحدودية الموازنة، إذ يجب أن يفكر هؤلاء المسؤولون بتخصيص أولويات التوظيف للوظائف الحيوية بمؤسساتهم، إلا أنهم يجازفون اليوم بمصالح مؤسساتهم بالسعي إلى توظيف جديد وتثبيتهم، بينما ليست هناك عقود عمل لا جزئية ولا مؤقتة تربط هؤلاء بديوان الخدمة المدنية أو حتى الوزارة نفسها، وهؤلاء المسؤولون يدركون أن هذه العملية ليست من اختصاصهم، وأنها من اختصاص وزارة العمل التي أبدى مسؤولوها استعدادهم لإيجاد العمل المناسب لهم، إلا أنهم يرفضون العروض المقدمة لهم، مما يعد ظلماً للعاطلين الآخرين الذين يتمنون أي وظيفة تلوح لهم من وزارة العمل حتى لو كانت في القطاع الخاص، كما أن سعي المسؤولين في المؤسسات الحكومية إلى التدخل في هذا الشأن الذي ليس من اختصاصهم، سيخلق جواً من الإحباط عند المواطنين المحرومين من هذا الدعم من مؤسسات الدولة. فالمسؤولون أنفسهم يبدو أنهم يحصرون الوظائف الشاغرة ويحجزونها في مؤسساتهم لتوظيف من «يتدلل» ويختار و»ينتقي»، وأما الباقي «فاضربوا رأسكم في الحائط كما ضربه من قبلكم الذي لم يوافقه الحظ أن يكون على القائمة الوفاقية العلمائية أو محط اهتمام مسؤولي تمكين ووزارة العمل السابقين».
على مسؤولي المؤسسات الحكومية أن يهتموا بمؤسساتهم ويعالجوا إخفاقاتهم ويترصدوا للفساد في مؤسساتهم، وأن يتجنبوا التدخل في اختصاصات المؤسسات الأخرى، كما أن خلقهم للبلبة وتسببهم بظلم الشباب الباحثين عن العمل سيولد النقمة في قلوبهم على دولتهم.
- خاطرة..
ابن العلقمي كل يوم يتجدد أمامنا بثوب جديد، والله يكفي البحرين شرهم، فقد كثر الذين يلبسون ثوب الولاء، ويعملون عمل ابن العلقمي.