قبل نحو ثمانية أعوام تناولنا مسألة فكرة «الدولة المعيلة»؛ تلك الدولة التي تعيل شعبها منذ أن يخرج إلى الحياة وحتى اختيار نوعية قبره، إذ لا يظل أي شيء إلا وفرته له الدولة بطريقة خاطئة، مما يخلق لنا مجتمعات تستهلك دون أن تنتج. مجتمعات كسولة تصرخ في كل لحظة تقف عنها الإعانة والإعالة.
يبدو أن تناول هذه المسألة وفي هذه المرحلة تحديداً يبدو مزعجاً للغاية، لكن لابد أن نضع النقاط على الحروف، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة توجيه الدعم الذي أثار جلبة اجتماعية كبيرة في أوساط المجتمع البحريني، والذي لم تتحدد معالمه بصورة واضحة حتى كتابة هذه الأسطر.
كان ولابد للحكومة ومن قديم الزمان أن توجه الدعم الحكومي للسلع الأساسية والاستهلاكية في البحرين نحو مستحقيه، لكنها لم تفعل، حتى آن الأوان أن تفعل ذلك في الوقت الصعب، مما أثار طرح هذه الفكرة، بغض النظر عن تفاصيلها، حمية ومشاعر المجتمع البحريني بأكمله.
نحن مع توجيه الدعم بطريقة تضمن حقوق الأسرة البحرينية بالكامل، كما يجب أن يضمن الدعم سلامة اقتصاد الدولة من باب قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، وهذا التوازن بين توجيه الدعم والمحافظة على اقتصاد الوطن يتطلب دراسة اقتصادية متأنية، بعيداً عن الانفعالات المجتمعية التي عادت ما تفتش عن فكرة المعيل، مهما كانت طبيعة الدعم وتوجهاته الخاطئة.
أربع أفكار يجب أن تتناولها الدولة فيما يخص توجيه الدعم للسلع الأساسية في البحرين، أولاً؛ تغيير نمط الفكر السائد في أذهان المجتمع فيما يخص مفهوم الدولة المعيلة. ثانياً؛ مراقبة الأسعار بصورة دقيقة ومكثفة منعاً من الغش والغلاء والاحتكار. ثالثاً؛ توجيه الدعم لمستحقيه بطريقة متوازنة، بحيث تنصف كل من المواطن والدولة من دون الإضرار بالمستوى المعيشي للمواطن البحريني. رابعاً؛ زيادة الأجور بشكل مقنع.
لا يمكن أن تقوم الدولة برفع الدعم أو حتى توجيهه دون النظر إلى بقية العوامل المحيطة بهذه الفكرة، فتوجيه الدعم بشكل منفرد ربما لا يقنع المجتمع ولا يعالج أزمة اقتصادية تلوح حرارتها في الأفق، فالحلول الاقتصادية عادة ما تكون حلولاً واقعية وليست عاطفية، كما إنها حلول تأتي بثمارها على المدى البعيد وليس القريب، إضافة أنها معالجات جذرية وليست ترقيعية، وهذا الأمر بطبيعة الحال يتطلب وعياً بروح الأزمة الاقتصادية ومتعلقاتها، كما يتطلب من الحكومة شرح مقدماتها للمجتمع الذي كان يستهلك من ريع الدولة معتقداً صوابية سلوكها وسلوكه.
توجيه الدعم، ورفع الأجور، ومراقبة الأسعار، وتغيير مفاهيم الاقتصاد في ذهنية المجتمع فيما يتعلق بالمعيل؛ هي الخطوات السليمة في تغيير الحياة الاقتصادية النمطية لشعوب منطقة الخليج العربي، وليس البحرين فقط، حتى نستطيع ومنذ هذه اللحظة في أن نخلق أفراداً تنتج أكثر مما تستهلك، وتقدم من العطاءات لدولها ومجتمعاتها أكثر مما تثرثر في قضايا اقتصادية حلولها دائماً ما تكون بناءة ومثمرة لو أنجتنا سياسات الدول المتقدمة في حل مشاكلها الاقتصادية الكبيرة، فهل سنستوعب الدرس؛ أم سنظل نفتح أفواهنا طلباً للدعم الأبدي؟ في الوقت الذي لم تغير فيه الحكومات لدينا أيضاً طبيعة تفكيرها حول هذا المصير الكبير لاقتصاداتها المتضررة بفعل غياب الاستراتيجيات بعيدة الأمد؟
أسئلة مشروعة تبحث عن إجابات ولو كانت مؤلمة وصادمة، فالمستقبل واحتياط الأجيال أهم من ثرثرات المقاهي، وأهم من برامج دولٍ تسير بدون وعي نحو الاقتصاد المجهول.