أسوأ ما يكون وقعه على أي مجتمع، حينما تنحرف البوصلة لدى كبار المسؤولين في الدولة عن مسارها المفترض أن تكون متجهة إليه دائماً.
تبدأ العملية بإشغال المناصب، ووضع الأسماء والشخوص في مواقع هامة ومؤثرة، سواء وزراء أو وكلاء ومن يأتي بعدهم، لكن المصيبة تبدأ حينما يتحول هؤلاء الأشخاص، الذين ربما كنا نراهم في يوم ما -سابقاً- يتعاملون مع مختلف طبقات البشر وكأنهم ملائكة تمشي على الأرض، تبدأ المصيبة حينما يتحول هؤلاء إلى أشخاص آخرين، بعضهم يصيبه «فايروس» الكرسي، فتراه يتحول إلى «فرعون» يمشي على الأرض، أو «طاووس» حينما يتكلم.
دعكم من هذا كله، إذ حينما يتحول الشخص إلى إنسان آخر في صفاته فإن هذا أمر عائد إليه، يرجع عليه بالذم وحتى الشتم من قبل الناس، لكن تبقى مسألة شخصية، لكن الكارثة وما أكبرها من كارثة حينما يحول المنصب هذا الشخص إلى «متغطرس» و«مغرور» و»متكبر» يرى الناس من طرف عينه، ويضع نفسه في برج عاجي يرى من خلاله الناس وكأنهم حشرات صغيرة، ومكرمون البشر عن هكذا وصف.
لدينا عينات ونماذج من المسؤولين الذين أول ما يراهم المواطن وينتبه لطريقة تعاملهم، أول ما يصدر عنهم كما نقول بالبحريني «اشفيه فلان متخرع»، والحقيقة بأن هناك بالفعل من هو «مشدوه» و»متخرع» بتعيينه في منصب، يفترض بأنه أمانة في عنقه، هؤلاء آفات حقيقية في المجتمع، وتتعاظم المصائب حينما يقع من ضمن مسؤولياتهم التخطيط أو رسم سياسات معينة أو اتخاذ قرارات يتأثر بها المواطن إما سلباً أو إيجاباً.
هنا نقول لهؤلاء إن يستوعبوا نقاطاً هامة، أولاً أنت موظف في الدولة، أي أنك خادم للوطن والمواطنين، وكلمة الخادم للمجتمع ليست إهانة كما يراها بعض المسؤولين المتعاليين وبعض «المتخرعين» بالمنصب، بل لنذكركم أولاً بملوك الشقيقة السعودية وعلى رأسهم الرمز الكبير الملك فيصل رحمه الله، الرجل الذي جعل محطات وقود الولايات المتحدة تتحول لبيوت أشباح حينما أوقف النفط، هذا الرجل يقول دائماً في خطاباته لشعبه بأنه «خادم» للوطن والدين لهم، ومن ثم جرى العرف على أن يقدم ملوك السعودية وصف «خادم الحرمين الشرفين» قبل أي تسمية أخرى في أسمائهم.
مثال آخر يضربه قادة بلادنا الحبيبة، ملكنا حفظه الله، هل تتابعونه يا مسؤولين كيف يتعامل مع الناس؟! هل ترونه كيف يرحب بهم ترحيباً جميلاً بابتسامة ملكية رائعة حينما يتشرفون بالسلام عليه؟! هل ترونه كيف يتواضع مع الصغير قبل الكبير، خاصة في الاحتفالات واللقاءات والتي يكاد كل الشباب وحتى الأطفال وغيرهم يخرجون منها وقد التقطوا صوراً شخصية معه وبطريقة «السيلفي» حتى؟!
الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء حفظه الله، المدرسة الإدارية الحية التي تقدم كل يوم دروساً قيمة في الإدارة للمسؤولين، والذين تعبنا ونحن نقول لهم كونوا مثل الأمير خليفة في تعاملكم مع الناس. والله رأيتها بعيني ومعي عديد من الزملاء في زيارات سمو الأمير ولقاءاته، كيف ينتظره بسطاء الناس عند سيارته حينما يخرج من أي فعالية، يتقدمون له ويسلمون عليه وتظل أياديهم في يده وهم يتحدثون ويشكون مشاكلهم له، وللأمانة لم أرى مسؤولاً يضرب أروع الأمثلة في الإنصات المهتم بمحدثه مثل خليفة بن سلمان، يستمع وعلى الفور يوجه لحل مشكلة هؤلاء المواطنين، لا يهمه ما يرتدون حتى لو كانت ثياباً بسيطة، ولا يهمه كيف يتحدثون، ولا يهمه أي شيء آخر، كل ما يهمه هو الناس.
في ذات مرة، وقفت امرأة تتحدث معه عن مشكلة لها ويغلب عليها الانفعال، وأقسم بأنه لو كان وزيراً آخر لأزاحها أو أمر حاشيته بتصريفها، لكن رئيس الوزراء استمع لها وهو يبتسم وأمر بحل مشكلتها، وقال كلمة يجب أن يضعها بعض المسؤولين وبالأخص «المتغطرسين» و»المتعاليين» حلقاً في آذانهم، قال: أنا موجود لخدمتكم وخدمة الوطن.
اسمع يا مسؤول يا متغطرس يا متعالي على الناس، هذا خليفة بن سلمان، رئيس الوزراء، أسد البحرين والعائلة الحاكمة المالكة، يقول بأنه يعمل لـ»خدمة» الناس، وبالتالي من أنت لتتكبر على الناس وتخاطبهم ببرج عاجي؟!
الفكرة فيما نقول هنا، بأنه يا دولة والله مللنا من أناس يوضعون في مناصب وينسون بأنهم موجودون في هذه المواقع لخدمة الناس والوطن، يريدون أن «يكشخوا» على الناس بالمنصب، وأن يحدثوهم بطرف اللسان، وأن يهونوا من مشاكلهم، وحينما يردون على التساؤلات المعنية بمسؤولياتهم وكأنهم يقولون للناس «انتوا ما تفهمون مثلنه».
عيب، ووالله عيب، ولا يستحق الاحترام من لا يحترم الناس، بل لا يستحق موقعه من يتغطرس على الناس ويتحول لطاووس يتكلم معهم بازدراء، هؤلاء تجرم الدولة في حق نفسها وحق الناس حينما تضعهم في مناصب، حتى لو كانوا أهل خبرة، حتى لو كانوا ضلعاء في تخصصاتهم، لكن ما يفيدنا المسؤول الضليع في عمله لكنه بلا خلق دمث مع الناس؟! ما يفيدنا المسؤول صاحب الخبرة والشهادات حينما يكلم الناس من برج عاجي، لم يصل إليه إلا بفضل الدولة التي منحته الثقة لـ»يخدم الناس»، أكرر لـ«يخدم الناس» لا نفسه؟!
نصيحتنا لهؤلاء المسؤولين بأن خافوا الله في هذا الوطن وفي أهله، وأقلها تذكروا ثقة القيادة بكم، ولا تحرجوا البحرين بتقديم صورة سيئة معيبة للمسؤول الذي لا يهمه الناس. والله آخر ما تحتاجه هذه البلد وشعبها الطيب وقيادتها السمحة أن تبرز لنا شخصيات تتعامل مع الناس بنفس أسلوب ماري أنطوانيت حينما قالت للفرنسيين باستهزاء «ما عندكم خبر، كلوا بسكويت». ماري كان مصيرها قطع رأسها بالمقصلة، وعليه المسؤول المتغطرس المتعالي على الناس مصيره يفترض أن يكون بإقالته وإبعاده عن موقعه، لأن الطاووس لا يعنيه إلا شكله ومشيته وكلامه واستعراضه، لا يهمه الناس مطلقاً.