من المثير أن البعض، رغم حرصه على المشاركة في كل مظاهرة وفعالية تعتمد على المشي الذي قد يستمر لعدة ساعات وقد يتخللها شيء من الجري يبقى على حاله، يعاني من الشحوم الزائدة وترهل الجسم ولا يتغير شكل كرشه. علمياً رياضة المشي تساعد كثيراً على خفض الوزن، فلماذا لا يتأثر وزن ذلك البعض الذي لا تفوته أي مظاهرة فيشارك فيها في كل الظروف والأحوال؟
يبدو السؤال ساخراً، لكنه ليس كذلك، حيث المراد منه القول إنه رغم كثرة المظاهرات والمسيرات التي لم تتوقف منذ أكثر من أربع سنوات إلا أنه لم ينتج عنها ما يعين على الاستنتاج أن منظميها حققوا ما يمكن اعتباره مكاسب للناس، بل على العكس، كلما زادت تلك المظاهرات والمسيرات كلما تسببت في تعقيد المشكلة وأدت إلى تأخير الحل، فبدت كما الجهد الضائع الذي يبذله «المشحومون» من الذين يشاركون في تلك الفعاليات.
القول إن المظاهرات والمسيرات، وخصوصاً تلك التي تنتهي بمواجهات مع رجال الأمن، يمكن أن تشكل أداة ضغط على الحكومة قول أثبتت التجربة أنه غير صحيح، فالحكومة تنظر إلى هذه الفعاليات على اعتبار أنها سبب في حصول الفوضى وإرباك حياة الآخرين، فتتعامل معها بما يتيحه لها القانون لتنتهي من دون أن تحقق أي مكسب. والقول إن المظاهرات والمسيرات يمكن أن تلفت انتباه العالم إلى المطالب قول غير صحيح أيضاً؛ لأن العالم مليء بالمظاهرات والمشكلات ولأنه على قسمين؛ قسم له مصالح مع الدولة لا يمكن أن يفرط فيها من أجل عيون وخاطر هذه المجموعة أو تلك، حتى وإن قال في الظاهر كلاماً يعجب المتظاهرين ويريحهم، وقسم لا حول له ولا قوة ولا يستطيع أن يؤثر بتصريحاته أو يشكل عامل ضغط.
هذا يعني أن المكاسب من الاستمرار في هذا الأسلوب فقيرة ولا يستفيد منها حتى المشاركون فيها من الذين يعانون من زيادة الوزن، وبالتالي صار لزاماً التفكير في وسائل أخرى سلمية تتمكن بها «المعارضة» من تحقيق بعض ما ترفعه من شعارات كي يثق المواطنون فيها ويشعروا أن ما وعدوا به قابل للتحقق على أرض الواقع وأنه لمصلحتهم.
في الفترة الأخيرة بدا واضحاً حرص جمعية الوفاق وائتلاف فبراير على الإكثار من الخروج في مظاهرات صغيرة في العديد من القرى. الهدف كان واضحاً وهو القول بأن الحراك لم يتوقف؛ بل على العكس يتسع وإنهم «صمود» وإن نفسهم طويل ولن ييأسوا، تماماً مثلما أن الهدف من عدم التوقف عن ممارسة تلك الأعمال الصبيانية المتمثلة في اختطاف الشوارع وإشعال النيران في إطارات السيارات هو القول إن الحراك مستمر وإن المشاركين فيه لن يهدأ لهم بال حتى يحققوا كامل أهدافهم.
الواضح والأكيد الآن هو أن الاستمرار في هذا الأسلوب غير مجد، فالمظاهرات والمواجهات وأعمال التخريب يتضرر منها المواطنون وتتعطل حياتهم ولا تؤدي إلى مكاسب لـ «المعارضة»، لذا صار مهما التفكير في أساليب أخرى لا يتضرر منها أحد وتشكل في نفس الوقت الضغط المطلوب على الحكومة كي تتجاوب مع المطالب في تحقق بعض ما وعدوا الناس به فلا يحرجون معهم.
اليوم، ومع تعقد المشكلة وتعقد الظروف الإقليمية التي وصلت بعض تأثيراتها إلينا لا يمكن الإصرار على الاستمرار في نفس الأساليب التي اعتمدت قبل أكثر من أربع سنوات، وكان يؤمل منها أن تحقق بعض المكاسب. الظروف اليوم تختلف، خصوصاً مع توفر خطر يهدد الجميع اسمه داعش، هذا الـ «داعش» الذي لم يتردد في الإعلان عن مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي حدث في مسجد الإمام علي بالقديح ونتج عنه الكثير من الضحايا وتسبب في تعميق الشرخ الطائفي.