بعد كل عملية إرهابية، صغيرة كانت أم كبيرة، تتبادر إلى أذهاننا بعض علامات الاستفهام المشروعة؛ من يقف خلف تلك العملية؟ ومن المستفيد؟ ولعل السؤال الأهم هو من هي الجهة المحرضة على الإرهاب والداعمة له بكل أشكال الدعم المادي والمعنوي؟ والأهم من كل ذلك؛ من أين يستسقي الإرهاب فكره ومقومات بقائه؟
لا يمكن أن يتصدر الإرهاب المشهد اليومي من دون محركات تدفعه وتشجعه وتبارك له عملياته الإرهابية، سواء كان تحت مظلة الدين أو تحت مظلة العدالة والانتصار للحق، كما لا يمكن للإرهاب أن يمضي قدماً في مشروعه الفتاك دونما وجود منابع ترفد وجوده واستمراريته.
لا يوجد إرهاب من دون إرهابيين، ولا يوجد إرهابيون من دون وجود كتاب أو منبر أو رجل يدعونهم إلى الإرهاب، أو يباركون لهم سوء أعمالهم. فالمحرك الفعلي للعمليات الإرهابية هو المحرض / المحرك، سواء كان في شكل كتاب أو منبر أو إنسان أو أية وسيلة إعلامية أخرى، ومن غير القضاء على منابع الإرهاب وتجفيفه ومحاصرته فإن كل ما سنقوم به من أشكال المواجهة ستنتهي بالفشل الأكيد.
هذا الأمر يدعونا لمراجعة كتبنا ومناهجنا التعليمية وتنظيف وتطهير تراثنا من الزيف والتشويه، كما يجب علينا محاسبة كل المنابر التي تدعو للفتنة وشق الصف والتحريض على الآخر وبث روح الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد والدين الواحد، أو بشكل عام تدعو للفتك بالإنسان مهما كان دينه أو عرقه أو جنسه.
لابد من تجفيف منابع الإرهاب وتطهير كل ما يمكن أن يشكل وعيا بضرورة كراهية الآخر، وهذا لن يكون إلا بسن قوانين وتشريعات دولية ومحلية حاسمة وصارمة تجرم كل مقدمات الإرهاب، وإسكات كل الأصوات الناعقة بقتل أو حتى إلغاء الآخر المختلف، ومحاسبة كل شخص يقوم بتشجيع وتمويل وتدريب الإرهابيين في كل أصقاع العالم، وهذا لا يكون منهجا فاعلا في محاربة الإرهاب إلا من خلال تبني الدولة له أولاً، ومن ثم بقية قطاعات المجتمع المدني ومنظماته، وقبل كل أولئك لابد للأسرة أن تعي أهمية دورها في رفض كل الأفكار التي من شأنها أن تكون قواعد أساسية في تخريب وتشويش وعي الأبناء، وذلك من خلال تحصينهم عبر وسائل في غاية الأهمية؛ كتشجيعهم الحقيقي على مفاهيم التعايش والتسامح وقبول الفكر الآخر واحترام بقية الأديان ورفض ازدرائها.
من يدعو للقتل والفتك وإراقة الدم البريء إما أن يكون رجساً من عمل الشيطان أو أن يكون مدفوع الأجر من قبل جهات مخابراتية دولية تستهدف أمن عالمنا الإسلامي، أو في أسوأ الحالات يكون ذلك الأمر متغلغلاً عبر فكر مدسوس في كتبنا وتراثنا الذي يجب التصدي له بالتنقيح وتنقيته من الشوائب ومراجعته بالصورة التي تحفظ قيمنا الإسلامية الكبيرة.
لن يموت الإرهاب عندنا وهناك من يزال يغذيه بالفكر والمال والكلمة، فتجفيف كل منابعه هو مطلب دولي، وربما إنساني بالدرجة الأولى، وما دون ذلك سيظل الإرهاب يتمدد من دولة إلى دولة ومن مجتمع إلى مجتمع، وهذا التمدد السرطاني يعتبر من أخطر السرطانات والأمراض الفتاكة في عالمنا المعاصر. إنه الإرهاب الذي يجب القضاء عليه دون هوادة، والقضاء على منابعه المأفونة في كل العالم، وإلا سنظل ضحاياه.