آخر الحصون التي يمكن للإنسان العادي غير الملوث بموبقات السياسة أن يدخلها قد سقطت سقوطاً مروعاً جداً، ولم يعد بإمكان هذا الإنسان أن يتحصل على فرصة الحصول على بعد آخر من أبعاد الحياة الحديثة بموت أهم جزء فيها؛ ألا وهي كرة القدم.
هل هي لعبة أممية أو غربية لتقويض كل ما من شأنه إراحة الإنسان من صخب الحياة؟ هل هي مؤامرة لضرب الرياضة في مقتل؟ أم أن الخبر الصاعق الذي زلزل أركان «الفيفا» والعالم، هو حقيقة يجب أن يتقبلها الجميع؟ وهل هي مؤامرة أمريكية ضد روسيا ودولة عربية «قطر»، لمنعهما من إقامة المونديال على أرضهما، في محاولة لخلط الأوراق وجمع ما لا يمكن جمعه بين الرياضة والسياسة؟ أم أن الفضيحة واقعة ولا يمكن إخفاؤها؟
صحا العالم يوم الأربعاء الماضي على وقع خبر صاعق يتعلق بفضيحة مزلزلة، فضيحة تتعلق بأكبر الإمبراطوريات العالمية الرياضية «الفيفا»، والحديث عن عمليات غسيل أموال وفساد ورشى وتلاعب في ملفات مهمة، خاصة في ما يتعلق بتنظم العرس الكروي العالمي «المونديال»، والذي على إثره تم اعتقال أبرز وجوه «الفيفا»، ولن يهدأ الطوفان كما يذكر المراقبون، إلا باقتلاع أكبر رؤوس الفساد في هذه المنظمة العالمية، بل هنالك أخبار شبه مؤكدة تتحدث عن إمكانية منع إقامة المونديالات القادمة في الدول التي من المقرر إقامتها على أراضيها بسبب وجود شبهات فساد لا يمكن أن تمرر على الإطلاق، إضافة لضبط تلاعب في ملف مونديالات سابقة، كمونديال جنوب أفريقيا.
هناك تأكيدات إخبارية حول احتجاز 6 من مسؤولي الاتحاد، المعروف بأحرف FIFA اختصاراً، مطلوبين من القضاء الأمريكي بتهم الفساد المتنوع. أما «الارتدادية» التي تلت ذلك، فكانت قراراً اتخذه مكتب المدعي العام السويسري بفتح قضية جنائية بشأن ملفي استضافة مونديال 2018 في روسيا وآخر في 2022 بقطر، للشك بما سماه «غسل أموال وخيانة عامة» سيتم التحقيق في ملابساتها مع 10 أشخاص شاركوا بالتصويت على استضافة المونديالين، وهم أعضاء باللجنة التنفيذية للاتحاد، وهذه أسوأ من الزلزال نفسه.
أما بقية الخبر المؤلم يقول المحتجزون، ممن تم اعتقالهم باكراً وهم في غرفهم بفندق في مدينة زوريخ، لأن بعض المخالفات التي حصلت كانت على الأراضي السويسرية، على حد ما أشار إليه وزير العدل السويسري، رفضوا تسليمهم إلى الولايات المتحدة، لذلك ستطلب وزارة العدل السويسرية من نظيرتها الأمريكية تقديم طلبات التسليم رسمياً في مدة أقصاها 40 يوماً. تم نقل الـ6 بعدها كمشتبه بهم بعمليات رشوة وفساد، مارسوها طوال 20 سنة مضت، وتتعلق خاصة بمنح حقوق نقل بطولات كأس العالم، وهي تهم تطال أيضاً 8 مسؤولين آخرين لم يكونوا في زوريخ ليتم اعتقالهم.
سيشكل هذا الملف لمليارات من البشر صاعقة مدوية، حيث إن أكثر لعبة شعبية عبر العالم تلوثت بفعل بعض المفسدين والطامعين في تكوين ثروات لهم عبر الرياضة، ولا نعلم بعد أن تختلط السياسة بالرياضة، ما سيكون عليه شكل المستقبل الكروي الغامض في كل أنحاء العالم، وهل سنشاهد كرة قدم حقيقية، أم ستكون الرياضة -كما حلبات المصارعة الحرة-، تمثيلاً وزيفاً وخداعاً؟
إذا كنا بالأمس نحث أجيالنا وصغارنا على الذهاب صوب الرياضة تجنباً للسياسة وقذارتها، فما عسانا أن نقول لهم بعد هذه الفضيحة المدوية؟ فلم يعد اليوم بين أيدينا أي شيء نظيف.