من الصعب خلق مجتمع يتمتع بفكر وسياسة واحدة مطلقة أو مذهب واحد، فالمجتمع الواحد ينقسم إلى شرائح ومكونات عدة، وكل له سياسته وطريقة تفكيره في الحياة، كما أن من الصعب إجبار مجتمع ليكون ذا فلسفة واحدة وشريحة واحدة، وأن يطابق كل فرد الآخر بدلاً من أن يكون مكملاً للآخر، فهذا صعب المنال والتحقيق، حيث إن الاختلاف بين المجتمعات أو بين المجتمع الواحد ظاهرة صحية أو ظاهرة مطلوبة؛ بل إنه ظاهرة لا مفر منها، فمثلما خلق الله عز وجل الإنسان بأشكال وألوان وأحجام مختلفة، كان الاختلاف في الفكر والسياسة المتبعة في المذهب والعقيدة، فهذا الاختلاف يجب ألا يكون حاجزاً للحمة الوطنية، وألا يكون رداء لتصفية حسابات أو تصفية أعراق ومذاهب، أو أداة وحجة للبعض لإراقة الدماء والقتل من غير وجه حق.
القوى العظمى وبعض المنظمات الدولية تؤدي دور القاضي ودور المنصف العادل الذي يرجع الحقوق لأصحابها، كما في قصص الأطفال وكتب المواعظ، فهي تؤدي ذلك الدور «فقط» للدول أو الجماعات التي ترسم مصلحتها وتعتمد عليها في شؤون أخرى، فأين استراتيجيتها للقضاء على الإرهاب وعلى مجرمي الحرب في العراق وسوريا؟ لماذا لم تحاسب تلك الدول والمنظمات نظام الأسد على جرائمه العلنية التي ارتكبها بحق شعبه، والظلم المجازر الواقعة على العراق منذ الاحتلال الأمريكي للعراق واحتلال إيران في ما بعد؟ وأين هي من احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية؟ لماذا تتهاون في وضع استراتيجية حازمة تقضي على الإرهاب من جذوره؟ ولماذا -برغم المؤشرات الخطيرة بتكاثر هذه الجماعات- تسمح من خلال هذه الحروب والنزاعات أن تتوالد الميليشيات الإرهابية في البلاد العربية؟
برجوع الخميني من منفاه إلى إيران في نهاية السبعينات، انطلقت التصفيات العرقية وهي بداية للطائفية وبوابة طريق احتضنتها ولاية الفقيه ونشرت سمومها في دول الخليج العربي ومن ثم الدول العربية والدول الإسلامية، وكان لحزب الله في ما بعد دور في الإرهاب الصريح والمعلن لكل الدول التي ترفض الطائفية وترفض أن تنصاع وراء ميليشيات الإرهاب، وما ظهور تنظيم القاعدة وتنظيم داعش إلا من فوضى خلقتها الدول العظمي في الشرق الأوسط عندما تقاعست عن رد الحقوق إلى أصحابها، وحين وضعت مصالحها فوق جثث الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ.
ما يحدث اليوم في المملكة العربية السعودية هو محاولة لتفجير الطائفية بين النسيج الواحد، ورسالة ساخطة من بعض الدول العظمى على حزم المملكة لإعادة أنفاس العرب وتوحيد كلمتها وصفوفها في عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل والالتفاف الإقليمي والدولي مع السعودية ونصرتها في إرجاع الحقوق إلى أصحابها. على الدول العظمى أن تعي بأن ما يحدث في الشرق الأوسط سوف يمتد إلى أوطانها، لأن شرار الكراهية والطائفية والعنصرية يمتد لأبعد الحدود، خصوصاً عندما تتبناها أقليات مضطهدة موقعها دائماً على الهوامش، عليها أن تعي أيضاً أنها عندما تقوي شوكة الميليشيات التي تزرع الإرهاب في الوطن العربي سيأتي عليها يوم لا تستطيع أن تكسر هذه المليشيات أو أن تخلخل صفوفها عندما تكون بين مجتمعاتها.
أصحاب العقول الراجحة والنيرة يدركون تماماً أن ما يحدث اليوم في المملكة العربية السعودية والبحرين ودول الخليج العربية هو محاولة بائسة لشق النسيج وتشتيت الجهود، فالثوب الأبيض غير الثوب الأسود والرمادي بين صفوف الإسلام، فمن يلبس ثوب الإسلام عليه أن يحافظ على نقاوته وبياضه، وألا يتستر بقلبه الطائفي العنصري البغيض بالإسلام، وإلا عليه أن يكون عارياً بحقده وطائفيته بعيداً عن الإسلام.