استغرب أشد الاستغراب من «بعض» رجال الأعمال ومن تصريحاتهم، بل استماتة «بعضهم» للخروج في وسائل الإعلام، وذلك حينما يريدون أن يبينوا للناس بأنهم معهم، وأن يقلقون لقلقهم، ويتعاطفون معهم، في المقابل تجدهم على جانب آخر يجاملون الدولة على أية قرارات أو خطوات قد يكون لها ضرر على المواطن نفسه، طالما أنها لا تضرهم.أسطوانة «الأمور طيبة» و«المسؤولين ما قصروا» باتت تتردد على لسان بعض هؤلاء التجار أكثر من مسؤولي الدولة أنفسهم، وبتنا نجد لدينا وسطاً «مخملياً» قد تشكل في المجتمع، بات يطغى في بروزه الإعلامي بإشاداته وتصريحاته على تصريحات المواطنين البسطاء وتعبيرهم عن آرائهم ورغباتهم ومطالباتهم.يا أخي أنت «تاجر»، والتاجر لا يهمه في مقام أول سوى «رأس ماله» وتنميته، وطبعاً «الكاش» لا يتوافر إلا من وراء الناس، ولدى «بعض» التجار خطط جديدة لمغازلة الدولة والوزراء وكيل المديح والإطراء لهم، والهدف هو كسب صفقة هنا، أو الحصول على مناقصة هناك، أو أن تتحول مؤسسته أو شركته أو حتى «دكان» يملكه إلى «سبلاير» لدى قطاعات الدولة.لذلك لا تستغربوا إن غرد «بعض» التجار في اتجاه يخالف الناس، ولمعوا بعض وزارات الدولة ومسؤوليها، فـ«رأس المال» جبان، والتاجر لا يريد أن ينكسر بل يريد الاستمرار، والناس رغم كونهم العملاء المفترضين لأي تجارة، إلا أن الدولة تبقى أفضل عميل ومتبضع إن نجح التاجر في نيل صك «حسن سيرة» وسلوك منها، بمعنى أنه «خوش تاجر، اشتروا منه».وهنا لدي قناعتي الشخصية التي قد يشاركني فيها كثير من الناس بأن «بعض» التجار لا يهمهم المواطن نفسه بقدر ما تهمهم «الخردة» التي بداخل جيبه، «بعض» التجار لا تهمهم الدولة بقدر ما يهمهم «ماذا سنجنيه من وراء الدولة»، وهذا أمر متعارف عليه في أوساطهم، حتى أن «بعضهم» ينتقد قطاعات الدولة وحينما يتم عرض أي نوع من الاستثمار عليه (إن شاء الله كوفي شوب) يتحول لمدافع هصور عن القطاعات ويبرر لها، وينتقد من ينتقدها.طبعاً لابد من الاستثناء هنا، إذ «لو خليت خربت»، فهناك «بعض» التجار و«بعض» العوائل المعروفة بتجارتها، المتتبع لها ولتصريحات أفرادها ومواقفهم وأعمال الخير والأوقاف التي يقومون بها يدرك تماماً بأن هناك نوعين من التجار، النوع الذي يصور نفسه على أنه «يحرق قلبه عليك» و«يلعلع» في وسائل الإعلام المختلفة ليريك يا مواطن بأنه معك في «خندق واحد»، لكن في جانب آخر لا يمكنه الوقوف ضد هذه الوزارة لو قامت بشيء يتضرر منه المواطن، لا يمكنه أن يعارض الدولة في أي سياسة اقتصادية مثلاً، هو يعارضها فقط في حالة واحدة، بل مستعد أن يقيم القيامة ولا يقعدها، وأن يجعل عاليها سافلها، وأن يحرق الأخضر واليابس، لو جاءت القرارات على حسابه، ولو اتضح أن السياسات الجديدة ستزيد عليه رسوماً أو ضرائب وغيرها.وهناك النوع الثاني، وهو النوع «الأصيل» مع الناس في تعامله، نعم لديهم تجارتهم يهمهم معيار الربح والخسارة، لكن في المقابل يتحدثون بالحق ويقفون مع الناس، بل ويساعدون الناس، ويبحثون عن الفرص لمساعدة الدولة في تدشين بعض المرافق وتمويل الخدمات ورعاية المشاريع ذات النوايا الإنسانية الطيبة، ولن أسمي أشخاصاً هنا أو عوائل، إذ هم معروفون أساساً للناس، بالأخص من يطالهم الخير منهم.أما الموضة الأخرى التي يقشعر منها البدن، هي موضة تصريحات أصحاب مسميات «رجال الأعمال» أو «سيدات الأعمال»، وأعود وأكرر هنا وأقول «البعض» وليس الكل، إذ هناك من يصرح وتحس فيه حرقة قلبه على المواطن وعلى مكتسبات الوطن، وهناك للأسف من يصرح ويستميت في الظهور في وسائل الإعلام والمجالس لكنه رغم ذلك يكشف نفسه بنفسه، هو يصنف نفسه على أنه «إليت» أو من «الطبقة الراقية»، ومع ذلك يريد الخوض في أمور الناس والبسطاء، بل ويقترح ويقدم آراء خيالية، لأنها لا تتفق مع فكر المواطن، هو يعيش عالمه الخاص البعيد عن الناس، لكنه مع ذلك يريد تفصيل عالم الناس على مزاجه ورؤيته.لذلك نقول بأن الناس هم أفضل من يتحدثون عن أنفسهم، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يأتي أشخاص يعيشون في «مستويات» مرتفعة عن سائر البشر ليتحدثوا عن البشر ومشاكلهم، لا يمكن لكثير من التجار الذين تهمهم تجارتهم قبل أي شيء أن يتحدثوا عن المواطن البسيط بما يخدمه وقد يتسبب بخسارة «أرباح متوقعة» هنا وهناك.بالتالي من الإيجابي أن نطلب ممن لا يعايش الناس همهم، ومن لا يدري أصلاً ماذا يحصل في بيوت الفقراء، ومن الذين من الاستحالة أن تجدوهم يسيرون في أوساط الناس البسطاء وفي الأحياء والأزقة الشعبية.. إيجابي أن نطلب منهم تطبيق مقولة «السكوت من ذهب»، وترك الكلام لمن يعيش مع الناس همهم ويتواصل معهم ويعرف تفاصيل مطالبهم وهمومهم، والأفضل من ذلك كله، دعوا الناس أنفسهم يتكلمون.هل كانت ماري أنطوانيت تستهزئ بالفرنسيين البسطاء الذين كانوا يعانون من أزمة الخبز حين قالت لهم «كلوا بسكويت»؟! طبعاً لا، فالأميرة الفرنسية النمساوية الأصل لا تعرف كيف يعيش هؤلاء، هي من صغرها ترتع في القصور وحياة الدعة، لا تخرج لترى حياة الناس القاسية، لتعرف التفاصيل والهموم، بالتالي قالتها بحسن نية وبحسب ما تعرفه، إن لم تجدوا خبزاً، فكلوا بسكويتاً، ما المشكلة؟!وبمثل هذا المنطق ترى العالم غاضباً ساخطاً من عملية رفع الدعم عن اللحوم، والصحافة تنتقد أسلوب المسؤولين، والنواب يرفضون التطبيق بدون ضمانات عدم تضرر المواطن، وتجد في المقابل «بعض» التجار يقول للمواطن: خطوة ممتازة، وأنت المستفيد! طيب كيف تكون أنت المستفيد يا مواطن؟ يقول لك: ستنتعش التجارة، وستزيد أنواع اللحوم وستختار ما تريد! عفواً عفواً، لم تجب، كيف سأستفيد كمواطن؟! بل «صححها» وقل بأنك يا تاجر من سيستفيد حينما ترفع الأسعار، وحينما تحظى برعاية واهتمام من قبل الجهات المعنية لأنك منذ البداية «تلمع» فيهم و«تطبل» للقرار.- ملاحظة..تعمدت تمييز كلمة البعض بين قوسين، حتى فقط نفصل بين شريحة من التجار الذين لا يهمهم المواطن، بل يهمهم ما في جيبه، وبين شريحة من التجار الذين يفخر بهم هذا الوطن ولا يذكرهم الناس إلا بالكلام الطيب والسمعة الحسنة لأفعالهم الخيرة وأقوالهم الصادقة.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90