يفترض الآن أن يعمل النواب باعتبارهم السلطة التشريعية وباعتبارهم ممثلي الشعب على «تشريح» الميزانية، خاصة وأنها قدمت في وقت قدم فيه قرار إعادة توجيه الدعم عن اللحوم (كبداية للمواد الغذائية) وبطريقة فيها من الإجحاف للمواطن.
أقول يفترض على النواب أن يفصصوا الميزانية، وهنا لا تفهمونا غلط، فلسنا ندعو إلى تأخير الميزانية أو تعطيلها بحيث تتعطل الدولة ومشاريعها، بل على العكس، نحن ندعو لعملية تفصيص شاملة لكافة بنود وأوجه الصرف، والتأكد بأن المبالغ التي ستعتمد بالفعل سيتم استثمارها جميعاً بشكل صحيح، ولن نشهد إخلالات في التنفيذ، بحيث يخرج لنا كم وزير ليطلب اعتماداً إضافياً، وفي المقابل نضمن بألا يخرج علينا وزير ويعيد لميزانية الدولة ملايين لم يستخدمها، وهو الوضع الذي بيناه سابقاً بأنه ليس «بطولة» وليس «توفيراً» على الدولة بل هو سوء تخطيط وسوء تدبير.
لأن الدولة الآن تدخل طور التقشف وتقليل المصروفات، ويشير مسؤولو المالية إلى الدين العام، ويضاف إليها موضوع إعادة توجيه الدعم (بالأصح اعتبره رفع الدعم) وهو أحد الخطوات لسد العجز وتقليل الدين (كما قال أحد مسؤولي المالية على شاشة التلفاز، واعتبره أحد الحلول)، يجب على النواب أن يساهموا ويشاركوا الدولة والقطاعات والوزراء في عملية «تقليل» المصروفات أو «تقنينها» أو «ترشيدها» سموها ما شئتم.
لماذا نعتمد على الوزراء أو مسؤولي الوزارات في عملية تقليل الصرف، لماذا لا يستعان بالنواب، أوليسوا يمتلكون أدوات رقابية ومحاسبية، وتمر عليهم الميزانية ليقروها؟! دعوهم إذاً يطلعون على كل شيء فيها، ويقررون مدى أولوية بعض المشاريع وبعض التوجهات، وهل هناك شيء يمكن تأجيله، وهل هناك شيء يمكن إلغاؤه بالمرة؟! وهل هذا يعني توفير المال على الدولة ويسهم في عدم إرهاق الميزانية.
قد يخرج بعض الوزراء والمسؤولين ليقولوا (وطبعاً بعضهم لا يقولها علانية في وجه النواب بل بينه وبين جماعته) قد يقولون، النواب ما دخلهم في وضع خطط القطاعات الحكومية، نحن أعرف بمشاريعنا؟!
والرد هنا بسيط جداً جداً، الدستور أعطى السلطة التشريعية الحق في الرقابة ومساءلة القطاعات وفي إقرار برنامج الحكومة وفي الموافقة على الميزانية وفي كثير من الأمور، وهذا لا يؤثر فيه سواء أكان جميع النواب خبراء اقتصاد وتخطيط استراتيجي، أم كانوا كلهم خريجي ثانوية عامة أو حتى محو أمية!
وصلت الفكرة يا جماعة؟! المجلس له حق أصيل في كل شيء، ونحن بدورنا نريد لهذا المجلس أن يقوى ويتعلم من تجاربه السابقة ومن نقد الناس الشديد له، نريد أن تمرر الأمور المعنية بالشعب من خلال مجلس الشعب.
وعليه فإن تقليل المصروفات عبر الحد من بعض المشاريع الغريبة وغير المبرر وجودها كأولوية أمر مطلوب، إذ لا يعقل على الإطلاق الذي سمعناه أمس في مداخلة النائب خالد الشاعر في مجلس النواب، حينما تحدث عن الدعم الذي سيقف على الأجنبي (المفترض) في حين سيزيد الأسعار على المواطن، لكن مقابله هناك مبلغ 10 ملايين دينار مرصودة لإنشاء أربعة ملاعب «كريكيت»، وذلك بحسب ما قاله النائب!!
أيعقل وجود مثل هذه الأمور في التخطيط المالي للدولة، وفي نفس الوقت نقول بأننا نتقشف وبأننا سنعيد توجيه الدعم وسنقلل المصروفات؟!
يا جماعة إن كانت من مشروعات مرصودة على هذه الشاكلة، على شاكلة «الترف» وزيادة العبء غير المبرر على ميزانية الدولة، فرجاء اشطبوها وأوقفوا عملية «رفع الضغط» المستمرة لدى المواطن.
معقولة أربعة ملاعب كريكيت بعشرة ملايين دينار؟! يعلهم ما لعبوا كريكيت، أصلاً عطونا بحرينيين يلعبون كريكيت، والله حتى في الهند وباكستان لا تبنى ملاعب كريكيت بهذا المبلغ!