لم يكن دفاعاً عن المترشحين بل عن السلطة التشريعية، ولم يكن دفاعاً عن الحكم بل عن الدستور، ولم يكن رغبة في الاحتفال حين دافعنا عن العيد الوطني، في كل تلك المواقف كان دفاعنا ومنافحتنا عن منظومة القواسم المشتركة التي تجمع الجماعات التي تعيش على هذه الأرض تحت مظلة الدولة، وها نحن نرى كيف ضاعت الجماعات وتاهت وخسرت أرواحاً وخسرت أموالاً حين خسرت وطناً.
لم يكن التمسك بالقواسم المشتركة دفاعاً عن الحكم أو عن القبيلة أو عن أي فئة، بل هو التمسك بما يجمع الجماعات كلها التي تعيش على أرض واحدة، التمسك بما يوحدها بما يذوب فوارقها، بما يربطها بالآخر، بما يعزز انتماءاتها المشتركة، الدستور والسلطات والمؤسسات والقانون والرمزيات الوطنية من علم وأعياد وطنية وهوية ثبوتية، تلك القواسم أعمدة تتمسك بها الجماعات، تؤكد عليها، تعززها، تقويها، حتى لا تضيع ولا تتوه في الفضاء الاجتماعي والسياسي.
مهما كان ضعف تلك المقومات فإن التمسك بها هو تمسك بالقواسم التي تجمعك مع الآخرين والتمسك بها يجعل مسؤولية تقويتها مسؤولية مشتركة، على عكس ما قامت به جماعة الولي الفقيه في البحرين.
منذ التسعينات حتى اللحظة ونحن نحارب ما تقوم به «الجماعة» من عمل دؤوب لهدم مقومات الدولة، أسست لها بديلاً للدولة من سلطة تشريعية وحكم وميليشيات وأحزاب سياسية وصحافة ومؤسسات مدنية، وفرقت بين دور العبادة وبين مكونات المجتمع فقسمته إلى معسكرين، وكونت لها دولة داخل الدولة منذ 2000 إلى اليوم، كلها كانت تسخر لخدمة لا الجماعة بل خدمة فئة محددة من الجماعة وهي كل من يقبل بسلطتها فحسب، ثم عملت وبلا كلل على تكفير الناس بكل القواسم المشتركة، فلا احتفال بأعياد وطنية، ولا اعتراف بدستور، ولا بسلطات ولا بقانون، حتى ضاع المنتمي لهذه الجماعة فاكتشف آخر النهار بأنه غير بحريني وغير خليجي وغير عربي، هو أقصى نفسه أكثر من أي طرف آخر، ومازال هذا «الجرم» تمارسه المؤسسة الإعلامية وفلول المؤسسة السياسية والدينية في الجماعة، مازال العمل على بناء الجدار العازل بين الجماعة وبقية الجماعات قائماً ومستمراً.
الفزعة لكل ما هو منتم للجماعة حتى وإن كانت فزعة عابرة الحدود، مقابل تجاهل تام، ولا فزعة للأقربين الذي يقاسمون الجماعة الأرض والدستور والعلم، التشكيك بعمل كل مؤسسة وكل قانون وكل سلطة دفاعاً عن الجماعة لا دفاعاً عن المبادئ والقيم كالعدالة والإنصاف والمساواة، فتلك قيم لا تتجزأ لجماعة دون أخرى.
حين يعود أبناء تلك الجماعة للتمسك بالقواسم المشتركة مع الجماعات الأخرى، حين يعمل مع أبناء الجماعات الأخرى على إصلاح وتقوية دعائم الدولة، حينها ستذوب الفوارق الدينية والعرقية وغيرها ممن صنعه الإنسان ولم تصنعه الدولة.
أجرمت قيادات الجماعة في حق أتباعها، فلا أقل من وقف تلك الممارسات من أجل إعطاء الجيل القادم فرصة للبحث عن القواسم المشتركة مع الجماعات الأخرى واكتشافها بعيداً عن وصايتكم وأجندتكم، أعطوا أبناءكم فرصة أن يكونوا بحرينيين خليجيين عرباً من جديد، فلا بديل عن الدولة.