مع إدراكي واقتناعي التام؛ إن ما يخرج من فم الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة هو بمثابة استحضار لرؤية بعيدة المدى واستشفاف المستقبل والنظرة الأمنية الحكيمة لسموه، وذلك نابع من حكمة وتراكم خبرات السنين، لذلك أقول لكم إن مثل خليفة بن سلمان -الذي أفنى حياته في خدمة وطنه وشعبه- حين يحذر من مؤامرة تتعرض لها المنطقة؛ فهو لا يتحدث من فراغ؛ بل يعرف جيداً أبعاد المؤامرة.
انطلاقاً من وعيه ومسؤوليته القومية، يقول خليفة بن سلمان: «إن تطورات ‏الأحداث الأخيرة في المنطقة تكشف حجم المخطط والمؤامرة التي تتعرض لها المنطقة للنيل من أمنها واستقرارها، عبر أناس ألبسوا ‏الإرهاب لباس الدين وهو منه براء»، وسموه يدرك أن المنطقة عاشت فترة صعبة وعانت الأمرين بسبب تداعيات ما يسمي بـ«الربيع العربي»، وأن دول مجلس التعاون هدف مباشر للطامعين والمتآمرين، وأن المخاطر التي تهدد أمنها واستقرارها كبيرة، وما يزيد الأمر تعقيداً أن من بيننا -ومن يعيش معنا- من استجاب لإغواء شيطان المتآمرين من كلا الطرفين، فكما هناك «داعش» فهنا أيضاً «حزب الله» وميليشيات الحشد الشيعية العراقية، وإذا لم نتصدَّ بسرعة لاجتثاثهم فلن يكون بمقدورنا أن نتزحزح أو نتحرك خطوة واحـــدة إلى الأمـــام، بل ربمـــا نندفع أكثـــر وأكثــــر إلى الخلف.
ومن المضحكات المبكيات أن البعض من الكتاب ينسب «داعش» على السنة، ولا أدري من أين أتي هذا المبدع بنظريته هذه بالضبط؟
يبدو أن هذه العقول المسمومة المدججة بأقلام بشعة بقدر ما هي طائفية، تميل إلى «شغل اليهود الصهاينة» لتأجيج الفتنة بين الطائفتين، متناسياً هذا العبقري أن أهل السنة أول من اكتوي بنار «داعش» وأنه وكما عند السنة متطرفون وإرهابيون، كذلك الحال بالنسبة للشيعة، وما حرق السنة في العراق وتقطيع أوصالهم ودق المسامير في جماجمهم، وإشعال النار في لحاهم على يد ميليشيات الحشد الشيعية التي شكلها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إلا دليل واضح على أن «حالش» و«ماعش» لا يختلفان عن «داعش»، لكن الفرق أننا نطارد «داعش» ونحاربه عبر تحالف مع دول العالم. أما إرهاب الجماعات الأخرى فهو محمي ويحظى بالدعم والرعاية من دول وحكومات، ولا يأتي ذكر جرائمهم في صحفكم ولا يدان إرهابهم من قبل كتابكم، فهل استوعبتم الفرق؟
من باب التذكير فقط؛ هل نمى إلى مسامعكم ما قاله الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه»، ديفيد بتريوس حين قال: «تنظيم داعش لا يمثل الخطر الأول بالنسبة لأمن العراق والمنطقة لأنه في طريقه للهزيمة، لكن الخطر الأشد يأتي من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران»!!
هذه حقيقة قائمة فعلاً لا تقبل نقاشاً ولا فصالاً، ولابد لهذه الحقيقة أن تنبه «المفبركين»، أن الضمير الحي هو من يدفعك إلى إدانة كل الإرهابيين حتى لو كانوا من طائفتك، وإظهار التعاطف مع أي من الضحايا حتى لو كانوا من غير طائفتك، ذلك ما يفرضه الضمير الحي، وهو جزء لا يتجزأ من الإنسانية.
باختصار؛ الإرهاب والعنف المجنون الذي ترتكبه أسوأ وأحط عصابات عرفها التاريخ، يعودان بالإنسانية إلى عصر ما قبل «الكامبري» والموروثات القبيحة من عهود الظلام، ويكلفان الأوطان أثماناً باهظة، لا تتوقف عند شلالات الدم وإهدار الأرواح البريئة، فضلاً عن ركام التدمير، بل يزيد على ذلك إشاعة مناخ الفتنة الطائفية، ويوفر أقوى الفرص للمتآمرين والطامعين في أوطاننا لكي ينقضوا ويقضموها براحتهم، لذلك لا مفر لنا ولا مهرب إلا أن نتكاتف ونتعاضد، سنة وشيعة، علماء ومراجع، بإصرار أكيد وعزم لا يلين في مواجهة هذا الإرهاب، نترفع عن التحزب والتعصب ونرفض الفتنة والفرقة والانقسام، فالحكيم من اتعظ بتجارب غيره، وإلا فعدلوا الوطن ناحية القبلة وصلوا عليه صلاة مودع.