من التصريحات الطريفة لأحد الذين اختاروا العيش في الخارج قوله إن «البحرين تنفق 46% من الموازنة العامة على الأمن والدفاع»، وهو قول تحرص «المعارضة» على نشره بصورة لافتة هذه الأيام. أما وصف التصريح بأنه طريف؛ فسببه أن من الطبيعي أن تعتبر البحرين الأمن والدفاع على رأس أولوياتها، فأي دولة تمر بالذي مرت به البحرين لابد أن تخصص جل ميزانيتها لهذا الباب، حيث الأمن والدفاع يعتبران في مثل هذه الظروف أهم حتى من إطعام الناس من جوع. وبغض النظر عن مدى صحة هذا الرقم فإن الأولوية في مثل هذه المرحلة ينبغي أن تكون لهذين الجهازين اللذين بهما يتم ردع كل من يريد السوء للبلاد ولحياة المواطنين، بل إن عدم اعتبار الحكومة الأمن والدفاع أولوية وعدم إنفاق الجزء الأكبر من الموازنة عليهما يستدعي محاسبتها من مجلس النواب.
ليس إسرافاً ولا مبالغة إنفاق الدولة 46% من الموازنة على الأمن والدفاع، بل ليس إسرافاً ولا مبالغة لو تم إنفاق 64% من الموازنة عليهما، فالأمن والدفاع هما الرقم واحد في مثل هذه الظروف التي تمر بها البحرين لأنه ببساطة من غيرهما تضيع الأمور وتضيع البلاد. وفي كل الأحوال فإن الرقم تحدده الدولة بناء على أمور كثيرة لا تدركها «المعارضة» التي تقف خارج الدائرة وتعتبر أن دورها مقتصر على توجيه الانتقادات للحكومة.
منطقياً في مثل هذه الظروف التي تمر بها البحرين، كلما زادت النسبة المخصصة للأمن والدفاع في الموازنة العامة كلما شعر المواطنون بأنهم في مأمن من هذا الذي يحاك ضدهم وضد وطنهم وتيقنوا بأن الحكومة تفكر صح، فعكس هذا من شأنه أن يقلقهم ويجعلهم يتساءلون عن نظرة الدولة للأمن والدفاع وكيفية تفكيرها، فأي شيء أهم من الأمن والدفاع في هذه المرحلة التي تتعرض فيها البلاد لهذه الهجمة الشرسة وهذا الإرهاب الذي ينتشر في جسد الأمة العربية كما السرطان؟
في المراحل الحرجة تدعو الدول مواطنيها إلى «شد الحزام» لأنها تقوم بتحويل بنود معينة من الموازنة العامة إلى الأمن والدفاع كونهما الأهم ولأن من دونهما يضيع الوطن، وانتقاد «المعارضة» لذلك يؤكد قلة خبرتها وعدم قدرتها على قراءة الواقع قراءة صحيحة. يؤكد هذا أكثر، انتقادها للحكومة عندما تقلل المرصود لكل الخدمات وعدم تقليلها المرصود للأمن والدفاع.
هناك جانب آخر يغفل عنه منتقدو هذا التوجه وهو السبب الذي جعل الحكومة تزيد من موازنة الأمن والدفاع، ترى لو أن تلك الفئة التي تسببت في كل هذا الذي صارت تعاني منه البلاد لم تقبل على ما أقبلت عليه في فبراير 2011 هل كان للحكومة أن تزيد من الموازنة المخصصة للأمن والدفاع؟ وهل يعقل أن تتمكن الحكومة من محاربة هذا الذي يتهدد أمنها ووجودها بنفس قدر الموازنة المخصصة للأمن والدفاع في الظروف العادية؟
البحرين اليوم لا تعاني من أذى وتهديد هذه الفئة وحدها لأمنها واستقرارها ولكن من فئات عديدة في الداخل والخارج، كما أن الإرهاب بأنواعه يتهددها ويقترب منها بشكل فاحش، فهل من العقل أن تقلل من موازنة الأمن والدفاع؟ هل من العقل أن تفعل ذلك ولا يكاد يمر يوم على إيران إلا وتردد فيه عباراتها الاستفزازية الكريهة؟ هل من العقل أن تفعل ذلك وهي ترى التطورات التي تشهدها المنطقة التي تموج بالمتغيرات والتغييرات؟ أي عقل هذا الذي يدعو صاحبه إلى انتقاد الحكومة عندما تنفق نحو نصف الموازنة العامة على الأمن والدفاع؟
الأمر لايزال في الحدود الطبيعية، لكن لو زادت التهديدات فلابد أن تزيد الحكومة من إنفاقها على الأمن والدفاع.