في هذه الفترة من السنة معروف أن هناك شرائح من المواطنين تكون «مخنوقه مادياً»، ومعروف أكثر أن هذا الاختناق يمتد بشكل متتال شهرياً حتى فترة بدء العام الدراسي الجديد، فرواتب هذه الشهور تصرف لأجل مستلزمات شهر رمضان والعيد ومستلزمات المدارس الحكومية وتسجيل المدارس الخاصة والجامعات، والمواطن عادة ما يقصر في حق نفسه ويقترض لأجل سداد متطلبات أبنائه، لذا ففي هذه الفترة تكون الأنفس مشحونة في العادة أكثر من أي فترة أخرى.
الاستفزاز الذي يحصل عليه المواطن خلال هذه الفترة أمام توجهات من شاكلة رفع الدعم وتقليص المصروفات وتخصيص 10 ملايين لملاعب الكريكت وغيرها من عناوين «ترفع الضغط»، يولد بركاناً مختبئاً.. هناك قناعات تبدأ بالترسخ وفق مواقف تراكمية، وهذا الأخطر، لأن هذه المواقف تحتاج بعدها لمجهود سنين لتغييرها أو تعديلها وقد تولد انفجاراً أو تأتي بردود أفعال لا يحمد عقباها.
المواطن بات يشعر بأن الدولة بخيلة معه لا تحس بمعاناته ولا تحاول الاقتراب من وضعه الحقيقي بشكل دقيق، خاصة وهو يرى كيف تصرف موازنات ضخمة من الميزانية العامة وتخصص لمشاريع وبرامج لا تلامس واقعه بشكل دقيق. وضع الحياة اليوم يختلف عن مرحلة السنوات السابقة ويتطلب المزيد من المصروفات، حتى تلك الأمور التي كانت عادة تعتبر من الكماليات خلال فترة ماضية من الزمن باتت اليوم من الضروريات عند المواطن، كإدخال ابنه إلى مدارس وجامعات خاصة لتحسين وضعه التعليمي وتقوية لغته الإنجليزية، وكإرساله إلى معاهد ومدرسين خصوصيين، والاتجاه إلى المستشفيات الخاصة، وما إلى ذلك. فهل انتبه المسؤولون إلى جملة الالتزامات المالية الجديدة التي فرضت على المواطن اليوم؟ هل تم الانتباه كيف أن المواطن الذي كان راتبه 600 دينار قبل عشر سنوات «يعني ما فوقه فوق» صار في عرف هذا الوقت من ذوي الدخل المحدود أمام مستلزمات حياته وعائلته؟ الحياة تتطور وتتعقد وراتب المواطن يراوح نفسه ولا يتطور وتلك مشكلة مؤرقة.
نأتي إلى قرار رفع الدعم عن اللحوم، كثيرون حللوه بأنه بالون اختبار لإشغال الرأي العام والنواب عن المطالبة بزيادة الرواتب وتشتيت الانتباه عن مطالبات أهم، وعلى افتراض أن هذا التحليل صحيح؛ هل انتبه البعض إلى أن مثل هذه البالونات تكون غنيمة سهلة عند أطراف تقوم بتسييس الأمور لأجل تأليب الرأي العام وشحنه ضد الدولة؟ كالذي عمم ورقة شروط علاوة دعم اللحوم للحصول على المبلغ المالي الضئيل «خمسة دنانير؛» هل هناك من تفكر أن أهداف تسريب مثل هذه الورقة غير الصحيحة قد تأتي لتوليد مزيد من السخط بين الناس خاصة بند «مكتمل الأسنان» المستفز؟ خمسة دنانير للرجل وثلاثة دنانير ونصف للمرأة، «الظاهر الجماعة يبون يطبقون المبدأ الديني «للذكر مثل حظ الأنثيين»».
المواطن عندما يتجه إلى الدول الخليجية المجاورة يكتشف أن أسعار بعض المواد الغذائية والسلع والبنزين مرتفعة، بينما لا يشعر المواطن في تلك الدول بذلك لأن راتبه يكون مرتفعاً، أضف إلى ذلك أن مواطني دول الخليج لا يعانون من مسألة التخطيط لأجل جمع المال وأخذ القروض لأجل لتوفير السكن اللائق، حيث توفر لهم دولهم الوحدة السكنية في فترة قليلة وبلا معايير، مقابل البحرينيين الذين منهم كثيرون يكونون من ضمن فئة المواطنين الذين لا تشملهم معايير الخدمات الإسكانية، لذا فمسألة الطموح في مواكبة رفع الدعم -كما تفعل الدول الخليجية- لا تستوي، لأن المواطن هناك يتحصل على مزايا عديدة من نواحٍ مختلفة في ظرف فترة بسيطة فلا يهتم بمسألة دعم السلع أو رفعها.
فإن كان هدف إعادة توجيه الدعم يأتي ليستفيد منه المواطن فقط لا الأجنبي، في ما يخص السلع والمواد الغذائية والبنزين؛ فهل هناك ضمانة بأن المواطن فعلاً سيستفيد لا أن يكون كبش الفداء الوحيد أمام هذا القرار؟ هل هناك من قارن بين محدودية دخل المواطنين ودخل الأجانب الذين لن يتأثروا كثيراً لأن رواتبهم عادة ما تكون مرتفعه وتوازي رواتب مواطني دول الخليج؟
دعونا نسرد هنا مثالاً للتوضيح؛ نفترض أن الدعم قد رُفع ومنح كل مواطن خمسة دنانير «ويلا مع السلامة»، ونفترض أن هذه الخمسة دنانير ستكفي حاجة المواطن من اللحوم طيلة شهر، سؤال مهم؛ هل كل مواطن بحريني يتناول وجباته الغذائية في المنزل وليس في المطاعم؟ ثم لنفترض أن المواطن «حب يعمل عزيمة»؛ في هذه الحالة هل سيكون الوضع وهو «يعزم» الناس هو «حياك عندي على البيت تعال وييب معاك الخمسة دنانير مالتك من باب الحطية»؟ هل هناك من يريد أن يجعل المواطن يصل لقناعة «والله لو تجري جري الوحوش غير لحمك ما تحوش مثلاً»؟ بمعنى «كل على قدك ولا تفكر تدلع روحك بأكل اللحم في المطاعم مثلاً»؟ هل يجب أن يتقزم حلم المواطن اليوم ويتراجع بحيث تقل رفاهيته ويكون طموحه بدلاً من زيادة دخله توفير حقه المعيشي في حاجته من اللحوم في ما بعد من شاكلة «أجمل اللحوم لم نتذوقها بعد»؟ هل باتت الحاجة اليوم إلى أن يعود المواطن إلى زمن «راحوا الطيبين» بحيث يضع «زريبة في بيته» ويعود لتربية «الخرفان» والغنم، مما يوجد له أيضاً مستلزمات مالية إضافية مقابل محدودية دخله ولجوئه للعيش في شقق ومنازل بالإيجار «لحين ما الله يفرجها ويحصل بيت إسكان ضئيل المساحة»؟ الناس مخنوقه فعلاً.. «ياليت أحد يحس فيها خاصة هالفترة».