وأنت تتابع الأخبار عبر العديد من وسائل التواصل والاتصال يأتيك خبر يحمل صفة «عاجل» ملخصه مقتل وإصابة 20 من داعش في قصف للتحالف الدولي في العراق أو سوريا. بعده بقليل يأتيك خبر يأخذ صفة «عاجل» أيضاً ملخصه أن نظام بشار الأسد قتل 40 داعشياً، يليه خبر مماثل ولكن برقم مختلف لقتلى داعش على يد القوات العراقية. لا ينتهي اليوم إلا والحصيلة تفوق الثلاثمائة قتيل داعشي، من غير الجرحى.
ثم يأتي نائب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ليقول إن أكثر من عشرة آلاف من مقاتلي داعش قتلوا منذ أن بدأ التحالف الدولي حملته ضد هذا التنظيم المتشدد قبل تسعة أشهر في العراق وسوريا، وليضيف بعد اجتماع التحالف في باريس أنه تم تحقيق قدر كبير من التقدم في قتال التنظيم ولكنه ما زال قادراً على النهوض مرة أخرى وأخذ زمام المبادرة، وإننا «شهدنا قدراً كبيراً من الخسائر داخل داعش وأنه سيكون لذلك تأثير في نهاية الأمر».
في السياق نفسه تعلن الدول الغربية والعربية التي تشن غارات جوية على مقاتلي تنظيم داعش تأييدها للخطة العراقية الرامية إلى استعادة الأراضي بعد أن اتهمها رئيس الوزراء العراقي بعدم بذل ما يكفي لمساعدة بغداد على صد المتشددين المسلحين، ليعود بلينكن ويوجد لنفسه وللولايات المتحدة تخريجة لطيفة فيقول: «في بداية هذه الحملة قلنا إنها ستستغرق وقتاً.. وضعنا خطة تستمر ثلاثة أعوام، مضت تسعة أشهر منها».
حسب تصريحات بلينكن فإن معدل قتلى داعش هو ألف ومائة مقاتل شهرياً، مضافاً إليهم الجرحى، وحسب الأخبار الأخرى التي تتواصل على مدار الساعة فإن عدداً غير قليل من القتلى والجرحى من الدواعش يضاف إلى الأرقام التي تعلنها دول التحالف. أي أنه في المحصلة يفقد تنظيم داعش شهريا ما بين 2000 و2500 مقاتل، تضرب هذا الرقم في 12 شهراً يصيرعدد قتلاهم سنويا بين 24000 و30000 مقاتل.
هنا يحق لك التساؤل عن عدد الدواعش، كم هو؟
إذا كان تنظيم داعش يخسر في السنة الواحدة كل هذا العدد من المقاتلين فهذا يعني أن لديه أعداداً أكبر بكثير من هذا الرقم، وإلا لما تمكن من الصمود طوال هذه الفترة، ولما استطاع أن يسيطر على أكثر من نصف مساحة العراق وسوريا. هنا أيضاً يحق لك التساؤل والتشكيك في الأرقام التي تصلك بصفة «أخبار عاجلة»، وتلك التي تصل عبر تصريحات مسؤولين دوليين كبار.
أما إذا كان مصدر الأخبار فضائيات مثل «العالم» و«الميادين» و«المنار» و«المسار» و«المسيرة» وغيرها من الفضائيات المساندة لنظام بشارالأسد والتابعة لإيران؛ فإن الأرقام ترتفع بشكل جنوني، حيث تقوم هذه الفضائيات بوضع صفر وأحياناً صفرين أو حتى ثلاثة على يمين الرقم، فتصير العشرة مائة والمائة تصيرآلافاً، بل إن صيغة الأخبار تشعرك بأن تنظيم داعش سينتهي قبل نهاية النشرة التي تبث على الهواء مباشرة وليس بعد ثلاثة أعوام.
هذه الأرقام والمعلومات المبالغ فيها والتي لا تجد لها مقابلاً حقيقياً في الواقع تضر ولا تنفع، ففي الوقت الذي توهم الجمهور بأن داعش ينزف بشدة يرى الجمهور بأم عينيه كيف أن هذا التنظيم يتقدم ويسيطر على المناطق بشكل لا يصدق، وكيف أنه يتمكن من قتل أعداد كبيرة من مختلف الجهات التي تحاربه.
الأرقام المعلنة غير مقنعة، فالتقدم الذي يحرزه داعش في الميدان ينسفها. هذه حقيقة مؤلمة وتعني أن من يصدر تلك الأخبار يغشنا ويوهمنا بتقدم الذين يحاربون داعش، بينما هم في واقع الأمر يخسرون ويتقهقرون أمام هذا التنظيم الذي توحي لك الأرقام المعلنة عن قتلاه بأنهم من كل حدب ينسلون ولا ينتهون.