الدين العام ليس لعبة، والسماح للبنك الدولي أن يتدخل ويفرض رؤيته العلاجية علينا لهذا الدين.. أيضاً ليس لعبة، إذ غالباً ما تكون علاجات البنك الدولي بعيدة عن دراسة الواقع المحلي وتحتفظ بحزمة أفكار تحاول أن تفرضها على جميع المجتمعات والدول، وغالباً ما تقود علاجاتها للسخط الشعبي ضد الحكومات، ما يصلح لهذه قد لا يصلح لتلك ولكن البنك الدولي يهمه أن يخفض العجز وتسدد الدول التزاماتها دون النظر إلى ما سيتبع تلك الإجراءات.
لذا فلتكن المعالجة بيدنا لا بيد عمرو، ولذا نحتاج إلى جدية من السلطتين في عرض خطتهما الواضحة المفصلة المقدمة مع مؤشرات القياس وفقاً لجدول زمني لسداد ديننا العام، خطة تتناسب ومعطياتنا الواقعية.
فلا تمرر الميزانية دون أن تكون للحكومة خطة تفصيلية لزيادة الإيرادات غير النفطية بنسبة أكبر مما قدمتها في هذه الميزانية، وخطة لتنويع مصادر الدخل من أجل زيادة الإيرادات، ولا تمرر الميزانية دون خطة واضحة لإعادة توزيع الدعم تبدأ بالمحروقات خاصة بالديزل ومن ثم البنزين، فإذا أضفنا هذه النسب المتوقعة إلى ما قدمته اللجنة المشتركة من أفكار لخفض المصاريف، وهي أفكار عظيمة -إن نفذت- نجحت في خفض 850 مليون دينار، فإننا يمكن أن نصل إلى سد الفارق بين المصروفات والإيرادات إلى مليار دينار.
خاصة أن ما قدمته اللجنة المشتركة من أفكار لخفض المصروفات اعتمد بالدرجة الأولى على تأجيل مصروفات مشاريع وفقاً لجدول أولويات ولأنها مشاريع لن تنجزها الوزارات نظراً لإمكانياتها وقدراتها التي تبينت في الميزانيات السابقة.
فلو نجحت السلطتان بتقديم أفكار لزيادة الإيرادات أكثر مما قدمت في الميزانية الحالية بمقدار 150 مليون دينار لتصل إلى 500 مليون، إضافة إلى 850 مليوناً، فنحن أمام إمكانية لسد الفراغ وتقليصه في العجز إلى مليار دينار. (للعلم إيرادات دبي غير النفطية تزيد على 3 مليارات دينار).
إنما حتى اللحظة لم تقدم الحكومة أي خطة تفصيلية لإعادة توزيع الدعم ولم تقدم خطتها لزيادة الإيرادات غير النفطية، صرح بذلك النواب والشورى معاً، فماذا تنتظر الحكومة؟
إن التحدي الذي ينتظر الحكومة الجديدة هو هاتان الخطتان، بدونهما ستكون الحكومة حكومة تصريف العاجل من الأمور فقط، وبهما يتبين حجم الاستعدادات التي من المفروض أن تكون قد انشغلت بها هذه الحكومة منذ تعيينها في ديسمبر إلى الآن، والتي نتوقع أن تقدم كل وزارة برنامجها التفصيلي في مساهمتها المتوقعة في زيادة هذه الإيرادات محددة بالكم وبالجدول الزمني بما فيها وزارات الخدمات، ونتوقع أن يتعاطى النواب بجدية ومسؤولية مع أية مقترحات قد يكون صداها «غير شعبي» كما فعلوا مع التأمين الصحي للأجانب، فقد كان يسد جزءاً يسيراً من الدعم المقدم للخدمات الصحية ويعالج فارقاً كبيراً بين كلفة العلاج الحقيقية التي خصصت في الميزانية مع ما يدفعه العامل حين يتلقى العلاج، وهنا راعى النواب سخط التجار وأصحاب رؤوس الأموال أكثر من مراعاتهم لتبعات هذا الفارق الكبير بين الكلفة الحقيقية ومجانية تقديمها، فسخط نحدد نحن مداه وحجمه أفضل من أن نجبر على إجراءات لا يهمها حجم السخط وأثره.