هناك جملة تضمنها تصريح لأحد المسؤولين في البحرين نشر قبل يومين، وهي جملة ذات مضمون جميل جداً، خاصة إن كان لها تفعيل على أرض الواقع.
لكن المفارقة أن مثل هذه التصريحات حينما تصدر عن مسؤولين في يوم من الأيام لم يعترفوا بطاقات أهل البلد، فإننا هناك نعود لدخول نفس المتاهة التي بسببها تخبطت أمور عديدة في البلد، ونعني بها «بيع الشعارات»، لأنها تكون بعيدة جداً عن الواقع والتطبيق.
كل مسؤول لدينا اليوم يشيد بالطاقات البحرينية، في كل تصريح تجد إشارة صريحة إلى أبناء البلد، وأنهم عمادها وأدوات بنائها، والأهم أنهم أصحاب السواعد التي يبني بها المستقبل.
كل هذا الكلام جميل، وفيه من الحس الوطني الشيء الكثير، لكن حينما نأتي لتطبيقه واقعياً على الأرض، نجده ينضم لخانة الشعارات الرنانة التي بتنا أبرع الناس في إصدارها، وأفشل الناس في تطبيقها.
البحرين مازالت تعاني من «عقدة الأجنبي» في كثير من القطاعات، اطلبوا قوائم الخبراء والمستشارين في مختلف القطاعات لتتأكدوا أننا مازلنا نرى الخبرة والدراية والحكمة أساسها من خارج البلد، وأننا مازلنا لا نثق الثقة الكاملة بأبناء البحرين، حتى لو كانت سيرهم الذاتية وخبراتهم المتراكمة تضعهم في مواقع متقدمة عن الأجنبي الذي نستقطبه تحت مسمى «المستشار» أو «الخبير» ونصرف عليه من خير هذا البلد.
حينما نتحدث عن الكفاءات، فإننا يجب أن نعني ذلك ونؤمن به، لا أن نستخدمه للاستهلاك الإعلامي، فقط لنحاول إيهام الناس أننا مع تمكين المواطن في كافة المواقع وعلى مختلف المستويات «على الورق» وفي التصريحات الإعلامية، حينما نقولها يجب أن نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً ونحن ننفذها ونحن نطبقها، وأن تكون لدينا الأرقام والإحصائيات التي تثبت ذلك، والتي تدلل أن هذا المسؤول أو ذاك -بالأخص من يستخدم هذه الشعارات- هو أول من يطبق الشعار على نفسه.
في البحرين كفاءات عديدة، وهناك طاقات، لكن هذه الكفاءات والطاقات هل كلها تم الاستفادة منها؟! هل كلها تم البحث عنها؟! هل تم توظيفها في مواقعها الصحيحة؟! وهل تم العمل على تطويرها؟!
في المقابل كم خبيراً أو مستشاراً أجنبياً، بل كم رئيس هيئة ورئيس شركة وطنية أجنبياً، جاء لنا بسياسات متخبطة، وبعمل متعثر، بل بعضهم «فاحت» رائحته حتى قبل عزله من موقعه؟!
مازلنا ننضرب في كثير من المواقع بسبب عقدة الأجنبي، يأتي المسؤول الكبير الذي يردد الشعارات الرنانة بشأن كفاءات أبناء الوطن ليعين مستشاراً أو خبيراً في قطاعه، يمنحه الصلاحيات المطلقة والتي قد توصله لمرحلة يمارس دوراً تسلطياً على أبناء البلد نفسه، يحكم في القطاع، يخيط ويبيط، يتعامل مع المواطن وكأنه أكثر مواطنة منه، ثم تأتي الطامة حينما نكتشف الخيبة من وراء عمله ومن وراء أدائه. حينها من نلوم، هل نلوم الأجنبي الذي جاءنا بهدف تحسين وضعه وزيادة دخله وتأمين مستقبله؟! أم نلوم المسؤول الذي جلبه ومكنه وترك له «الخيط والمخيط» وبعدها يطالعنا في وسائل الإعلام ليتحدث عن الكفاءات؟!
كم قصص فشل لدينا بسبب هؤلاء المستشارين والأجانب الذين يفترض أن يكون في مواقعهم بحرينيون كفاءات وأصحاب قدرات؟!
انظروا إلى بقية دول الخليج وكيف يكون قدر المواطن لديها مقابل الأجنبي، لا صوت يعلو لغير مواطن على المواطن، يتم إفهامه بأنه يعمل هنا ليخدم البلد وليطور من الكفاءات الوطنية وينقل لها الخبرة حتى يأتي يوم يرحل هو ويحل محله ابن البلد. هذا هو العمل الصحيح إن كنا نريد فعلاً أن نجعل الأوطان جميلة بأبنائها.
أما إن كانت فقط مسألة شعارات وحجز مساحة للتصريح في الجرائد، فنقول إن الناس ليسوا سذجاً ولا ينطلي عليهم شيء من هذا «الزيف». وبالتالي من يريد التغني بأبناء الوطن، فليخبرنا ماذا فعل لأجل تطوير أبناء الوطن وتمكينهم، وإلا فوالله «السكوت من ذهب» أو بالأصح «إذا بليتم فاستتروا»!