من المعيب أن تتعرقل وتتعطل أوراق الكثير من المستثمرين في البحرين بسبب بعض العاملين في بعض الجهات الرسمية التي لا تحب أن تعمل، أو تعمل لكن بطريقة ورقية بدائية، وفي ظاهرة لم تتغير منذ عقود مازالت بعض العقليات الرسمية في دوائرنا الحكومية تصر على التعامل البيروقراطي مع المستثمرين، سواء من البحرينيين أو حتى من الأجانب، والبعض يعتقد أن القوانين الداخلية للمؤسسات الرسمية مقدسة لا يمكن أن تتغير، ولهذا نجد أن بعض المعاملات الخاصة بالاستثمار تتعطل فوق طاولة المسؤول لعدة شهور، دون أي داع لذلك.
أحد المستثمرين العرب في البحرين نوى أن يؤسس شركة ما، وهو اليوم قارب النصف عام منذ تقديمه أوراقه كاملة عن طريق المحامي لتخليص معاملته، ولم تكتمل فصول بقية الإجراءات. أخبرني هذا المستثمر قائلاً «لو لم نحرك ملفنا من طرف بعض (الواسطات) القوية، لظلت معاملتي في خطواتها الأولى»!
في الوقت الذي يطرح مجلس الوزراء توجيهاته بالإسراع في تخليص معاملات المستثمرين في البحرين، نجد البعض من الموظفين وبعض الهيئات تضع مجموعة من العراقيل في وجه المستثمرين، وهي عبارة عن إجراءات غير ذات معنى، إجراءات عفا عليها الزمن، إجراءات «بايخة» لا تتناسب مع عصر الحكومات الإلكترونية المتطورة، ومع كل ذلك مازالت جماعة «التطفيش» تصر على تمرير المعاملة من مكتب إلى آخر، ولو استمر هذا الوضع لعدة أشهر وربما بالسنوات ليس لديهم أية مشكلة. وهكذا تتنقل المعاملة من مؤسسة رسمية إلى أخرى، وتظل أوراق المستثمرين في كل مؤسسة عدة أشهر، وهذه كلها سلوكيات طاردة للاستثمار من الوطن.
في الدول المتقدمة يستطيع المستثمر وخلال لحظات معدودة أن يقوم بإنشاء مشاريع كبيرة «أون لاين» وهو في بلده، والبعض يستطيع إكمال إجراءاته الاستثمارية السريعة جداً وهو في مطار الدولة التي يريد أن يقيم مشروعه على أراضيها، بينما في البحرين يعاني المستثمر الأجنبي الكثير من المعوقات في بعض المؤسسات -وليس في جميعها- مما يشعره ذلك «بالملل والطفش»، ولربما يفكر جاداً أن يحول مسار استثماراته من البحرين إلى دول تسهل له عملية الاستثمار «أون لاين» فقط.
لعل بعض الإجراءات المتخذة في البحرين فيما تتعلق بالاستثمار، ولو تأخرت، لكنها تعتبر إجراءات احترازية وسليمة وآمنة، وهذا ما لا يتوفر ببقية الدول الأخرى، لكن ملاحظاتنا تنصب على التأخير المفرط جداً في إنهاء المعاملات الاستثمارية، وكما قلنا قبل قليل ربما تمتد لأشهر طويلة يمكن أن تختصر في أسابيع أو حتى أيام، إن لم تكن ساعات.
قد تكون بعض تلكم الإجراءات البيروقراطية نابعة من طبيعة القوانين التي لم يمسها التطور أصلاً، وبعض التأخير نابع من كسل بعض المسؤولين والموظفين العاملين في قطاع تطوير الاستثمار في البحرين.
المنامة سبقت العديد من الدول المجاورة فيما يتعلق بالاستثمار، وهي الدولة الأولى في المنطقة التي أعطت للمستثمر الأجنبي وللشركات الأجنبية فرصة إقامة مشاريع عملاقة على أراضيها، واليوم بدأت تتراجع هذه الحركة للأسباب التي ذكرناها، ولهذا يكون لزاماً على الدولة مراقبة العاملين في هذا القطاع وتطويرهم أيضاً، ومراجعة كل القوانين القديمة التي ربما أصبحت «عاهة» حقيقية في تعطيل مصالح المستثمرين في البحرين، فأعداء الاستثمار هم الذين يجهلون قيمته الحقيقية وحركته في عالم الاقتصاد، ولهذا لا ينتبهون إلى تطوير هذا القطاع حتى ولو ظل على حاله مائة عام، وهذا ما يجب أن يفهمه كل المسؤولين في الدولة ومؤسساتها المعنية بتطوير الاستثمار في البحرين.