العمليات الإرهابية التي حدثت في مسجد الإمام علي بالقديح ومسجد العنود بالدمام في جمعتين متتاليتين وراح ضحيتها نحو ثلاثين شهيداً وأكثر من مائة جريح تسببت في إيجاد حالة جديدة على الناس في البحرين، خصوصا بعد رصد تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي يتوعد أصحابها المصلين في بعض المساجد بتنفيذ عمليات مماثلة، وإعلان وزارة الداخلية بأنها تأخذ هذه التهديدات مأخذ الجد. نتج عن هذه الحالة أمور عدة أبرزها قيام بعض المصلين بتشكيل فرق مهمتها تفتيش الداخلين إلى تلك المساجد، وخصوصا جامع رأس رمان، الذي توقعوا أنه المقصود من عبارة «استهداف مسجد قريب من المنطقة الدبلوماسية» التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لأن هذا العمل يتداخل مع دور الدولة ومسؤولياتها، لذا فإن من الطبيعي ألا تقبل به وترفضه وتستعيض عنه بتكليف رجال الأمن بالتواجد عند المساجد لحماية المصلين وتوفير الإحساس بالأمان لهم.
ولأن هذه الإشكالية كبيرة، فإن حلها قد يستغرق بعض الوقت، لكنها ستكبر وتتحول إلى مشكلة حقيقية لو أن إرهابياً تمكن من الإفلات من مراقبة رجال الأمن ودخل مسجداً ونفذ عملية راح ضحيتها بعض المصلين، ففي مثل هذه الحالة سيزيد إصرار أولئك على تمسكهم بتفتيش الداخلين إلى المسجد عند كل صلاة، والأمر نفسه سيحصل لو أن إرهابياً تمكن من الإفلات من مراقبة الشباب ودخل مسجداً ونفذ العملية، ففي مثل هذه الحالة سيزيد إصرار الدولة على تمسكها بهذا الحق ورفض مسألة أن يقوم متحمسون من المصلين به، خصوصاً أنه لا تتوفر لدى هؤلاء الخبرة اللازمة للقيام بهذا العمل، ولا يستبعد أيضاً أن يكون بينهم من قد تكون له مصلحة ما في تسهيل دخول مخربين إلى المسجد.
إشكالية أخرى اهتم بانتقادها الشيخ ناصر العصفور، إمام جامع عالي، وهي أن بعض المنتمين إلى الجمعيات السياسية دخلوا في مساحة تخص علماء الدين، حيث قاموا بدعوة أعضائها إلى الحضور للصلاة في يوم الجمعة كي يثبتوا أنهم غير خائفين من التهديدات، فقد قال العصفور ما معناه إن مثل هذا الأمر لا يعالج بهذه الطريقة، وأن الصحيح هو أن يقرر علماء الدين بناء على ما يتوفر من معلومات ما إذا كانت الأمور تستدعي إلغاء الصلاة أو إقامتها أو حضور النساء أو منعهن، فهذا القرار ليس للسياسيين والمسألة ينبغي ألا تخضع للتحدي، منتقداً بذلك تغريدات لأحد أعضاء جمعية الوفاق الذي دعا بها أهالي رأس رمان وأعضاء جمعية الوفاق إلى التواجد بكثافة في جامع رأس رمان الذي قيل إنه تم رصد مكالمة بين اثنين خارج البحرين تفيد بأنه سيتعرض لعملية إرهابية، حيث قال إن التحدي هنا يمكن أن يكلف الكثير من الأرواح لو كان التهديد حقيقياً، داعياً المنتمين للجمعيات السياسية إلى الابتعاد عن هذه المساحة التي يفترض أن ينشغل بها علماء الدين كونهم المسؤولين عن إقامة الصلوات في المساجد.
هذا الجديد الذي دخل علينا هو نتيجة طبيعية للعملين الإرهابيين اللذين حدثا في المنطقة الشرقية بالسعودية، وبما أنهما استهدفا مصلين من طائفة معينة فإنه من الطبيعي أن يشعر المنتمون إلى هذه الطائفة بأنهم مستهدفون دون غيرهم، وبالتالي فإن عليهم أن يحموا أنفسهم ويتخذوا كافة الاحتياطات التي يستوجبها الظرف الطارئ.
منطقياً ما قام به أولئك المصلون ويريدون أن يواصلوا فيه صحيح، لكنه يتعارض مع دور الدولة المسؤولة عن الأمن ويؤسس لميليشيات تتحول بعد حين إلى دولة داخل دولة، كما هو الحال في لبنان مع حزب الله. لذا فإن من الطبيعي أن تتخذ الدولة ما يتناسب من إجراءات تجاه هذا الذي ربما اعتبره البعض فرصة لتحقيق ذلك الذي ترفضه الدولة.