حتى طلاب المدارس باتوا يعرفون بأن الدولة دخلت مرحلة «شد الحــزام»، وأن الحكومـة أصـدرت توجيهاتها لكافة قطاعاتها بشأن «تقليل الصرف» و«ترشيد الإنفاق»!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل تعرف بعض قطاعات الدولة بهذا الشأن؟! هل وصلهم الخبر؟! أم أن «ابن عمك أصمخ»؟!
والله بعض القطاعات والوزارات من خلال ما قدمته من مشاريع للموازنة الجديدة تثبت لنا بأن الدولة «تغرد» في واد وهم يغردون في واد آخر.
لا نريد طرح أمثلة ترفع من ضغط المواطن، ويكفي مثال العشرة ملايين الخاصة بأربعة ملاعب للكريكيت لتبين لنا مستوى ترتيب الأولويات لدى بعض القطاعات، والتي تعمل بأسلوب «ما عندك تاكل، عندك تغرم».
حينما نقول تقليل النفقات، فإن أول ما يقفز للذهن هي تقارير الرقابة المالية والإدارية، ففيها رصد واف وكاف لعديد من عمليات إهدار المال العام، المتمثلة بسوء تقديرات وسوء تصريف وسوء توظيف لهذه الأموال، بالتالي هذه التقارير تقدم مادة غنية للدراسة التي يمكن من خلالها معرفة المبالغ التي يمكن توفيرها وتقليلها بدلاً من أن تكون عرضة للهدر، وللملاحظة ليس إلا، فإن بعض المخالفات المرصودة في تقارير الديوان -لو أمعنتم النظر- هي بمثابة استنساخ فعلي لنفس عمليات التعاطي مع المال العام، بمعنى أبسط، بأن هناك قطاعات تتكرر لديها مصيبة سوء إدارة المال العام.
من يريد التوفير و«شد الحزام» عليه أولاً أن يحدد المصروفات غير الضرورية، عليه أولاً أن يقلل من مصروفات «الترف» على فعاليات ونشاطات لا يهتم بها المواطن، عليه أن يوقف الصرف على أمور بهرجية نبررها بالقول إنها «مفيدة للبحرين في الإعلام الخارجي» في حين نعرف تماماً نحن أهل الصحافة بأن الإعلام الخارجي لا يهمه أن تلفت أنظار العالم لك بنجاحات بقدر ما يهمه ويستهويه الجانب السلبي، بالتالي لن يهتم بأن تنجح فعالية عالمية على أرضك بقدر ما سيركز على مشكلات تظهر في أوساط الشعب، هذا فقط لمن يريد أن يوهم نفسه بأنه يفهم الإعلام وكيف يعمل.
من يريد تقليل الصرف عليه أولاً استبعاد أي بند صرف لمشاريع وخطط لو استثنيت لما تأثر البلد سلباً، بل ربما تأثرت الميزانية العامة إيجاباً ووفرنا لها «كم مليون» من الطيران والإنفاق.
من يريد تقليل الصرف عليه أن يعيد النظر في عملية الازدواجية في العمل بين الوزارات والهيئات الموازية، إذ استنساخ نفس آليات العمل بدل وضعها في مكان واحد تحت أي مبرر كان، هو أصلاً زيادة صرف على جهود متشعبة يفترض أن تصب في اتجاه واحد، الدول التي تفعل ذلك هي التي لديها موازنات ضخمة وإيرادات أضخم ولا يتأثر ميزانها الاقتصادي ولا يصل فيها الدين العام إلى سبعة مليارات!
تريدون تقليل الصرف؟! انظروا في حال بعض الوزارات والهيئات التي تستأجر مباني بأسعار خيالية، انظروا في حال من يريد مكتبه أن «يطل» على «الواجهة البحرية» أو يكشف «العاصمة»! أراضي الدولة واسعة، امنحوهم أرضاً وابنوا لهم مكاناً، حتى لو كان قرب البر! المهم عدم الاستمرار في دفع إيجارات هكذا وكأننا لدينا وفر مالي لا نعرف ماذا نفعل به، هذه الإيجارات بالإمكان وضعها لبناء مقرات لهذه الوزارات والهيئات.
تريدون تقليل الصرف؟! أوقفوا السفرات غير اللازمة لكثير من الوزراء والمسؤولين والهيئات، والتي في بعضها أصبحت المهام الرسمية توصيفاً لأية مشاركة خارجية تتحول في غالبها إلى رحلات سياحية، فالفعالية «سويعات» والسياحة «ساعات وساعات»! فقط دققوا في هذه السفرات ومبرراتها وفائدتها للبلد وفي حجم مصاريفها، وفي مقدار تكرراها، بل في الأسماء المتكررة فيها، وحددوا ما إذا كانت مهمة ولازمة وأن التواجد فيها «حياة أو موت»، أو أن الحياة بدونها ينفع ولا يضر!
في النهاية ترشيد الإنفاق وتقليل الصرف يكون في أوجه عديدة ومختلفة، يكون في حراك قطاعات الدولة نفسها، يكون في ضبط عمل وتصرفات الوزراء والمسؤولين، وفي خططهم ومشاريعهم، ولا يجب أن يكون في المواطن، بحيث يكون هو وحده من يدفع الثمن. نرفع عنه الدعم أو نعيد توجيهه لأننا نريد سد جزء من الدين العام! نحرمه من الزيادات والمزايا أو نقللها فقط لأن لدينا هدر كبير تثبته تقارير ديوان الرقابة! نفكر في فرض ضرائب ورسوم عليه بينما كنا لسنوات لا نستقطع حتى الواحد بالمائة ضريبة التعطل من الوزراء والنواب والشوريين!
قللوا الصرف وشدوا الحزام لكن على قطاعات الدولة والوزراء خاصة من حول الوزارة وكأنها ملك خاص، لكن اتركوا المواطن يعيش بهدوء وكرامة وبلا قلق.