لا يمكن أن يكون استجداء المواقف هو الذي يرسم سياسة الدولة تجاه مهددات الأمن الوطني، أي حين يكون أمن مملكة البحرين -الذي على المحك- مهدداً ومعه يكون أمن المملكة العربية السعودية مهدداً كذلك والمنطقة بأسرها، لذا فإننا نطالب وزراءنا الكرام الأفاضل بأن تتسم مواقفهم بالحزم والحسم تجاه استحقاقات هذا الطرف المشدد.
فلا ننتظر مثلاً أن يكون رد فعل وزارة الخارجية على معلومات تؤكد ثبات دور التنظيمات الإرهابية العراقية في تدريب جماعة إرهابية كـ«سرايا الأشتر» وتمويلها داخل العراق أقل من استدعاء السفير العراقي، وإن تطلب الأمر سحب سفيرنا من العراق لا أن تكون مجرد تغريدة تبدأ «بنتوقع» من الحكومة العراقية، فالمسألة لا تنتظر استجداء موقف من الحكومة العراقية.
كما نتوقع أن تتخذ الدولة قراراً أكثر حزماً مع الحكومة العراقية يعبر عن حجم استيائنا كشعوب خليجية تمتهن كرامتها حين نرى التطاول عليها من أشباه الرجال في العراق العظيم ذلك الذي الذي كان حصناً للعرب فأصبح أرضاً مستباحة للفرس، فلا أقل من إجراء يتناسب وحجم الجرم الذي ارتكب في حقنا وفي هذا الوقت بالذات، إجراء يتم بالتباحث مع دول مجلس التعاون لاتخاذ موقف حاسم تجاه الحكومة العراقية حتى لو تطلب الأمر سحب قواتنا من الائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب حتى يكون الموقف جماعياً موحداً، فحربنا على الإرهاب لا تتجزأ والجهة الداعمة لهم هي واحدة، أما العراق فهو أرض مستباحة الآن بلا راع وعلى الحكومة العراقية أن تحسم أمرها إن هي أرادت أن تكون هناك يد عربية تعينها على استعادة أرضها وسيادتها وكرامتها.
هذا أقل ما يجب أن نقوم به، فلن يحسب الآخرون لك حساباً وأنت تراوح في أحلك الظروف عند استجداء المواقف والاكتفاء «بتوقعات» تتمناها في حساب خاص لوزير الخارجية على وسائل التواصل الاجتماعي، الوزير الذي نكن له كل التقدير والاحترام ننتظر منه موقفاً حازماً أكثر من مجرد تغريدة نستجدي فيها موقفاً عراقياً كي يعاملنا بالمثل كما نعامله ونحن الذين لم نكتف باحترام خصوصيته وعدم التدخل في شؤونه بل أرسلنا أبناءنا للدفاع عن أرضه وعن سيادته، ويكون هذا جزاءنا.
وذات الأمر ينطبق على استجداء المواقف في الداخل البحريني، فحين يكتب وزير الإعلام على حسابه في «تويتر» أمس «الأصوات والمواقف يجب أن تتوحد ولا تتلون في مواجهة الإرهاب الذي لا دين له ولا لون ولا طائفة» ثم تكون المواقف الرسمية ذاتها ملونة وغير واضحة مع الذين يتلونون فإنك ترسل رسائل متضاربة مع هذا الخطاب.
ما كتب يتحول لاستجداء للموقف ما لم تصحبه ممارسة وسلوك لا يجامل ويحابي فيها من يلون الخطاب ولا يدين الإرهاب.
نحن نعرف كلنا أنه لن يتحقق التوحد في مواجهة الإرهاب إلا إذا تساوى خطاب الإدانة والتعاطي الإعلامي بين الصحف البحرينية وبين الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي مع الإرهاب شيعياً كان أو سنياً، من حيث الصورة حجمها ومكانها، وتساوى نقل الخبر من حيث عنوانه ومكانه، وتساوت التغطية والمتابعة من حيث المساحة والصياغة، وتساوت المقالات من حيث العدد ومن حيث المتن كنص وتناول وطريقة معالجة، وتساوت المصطلحات التي تدين العنف والإرهاب سواء كان الإرهاب من «سرايا الأشتر» أو «داعش» في كل صحيفة على حدة، حينها فقط نكون قد اجتمعنا على أرضية وطنية مشتركة، وإلا فإن إدانة «كغسول مرت الأبو» لا نريدها ولا نريد حتى أن نستجدي موقف الإدانة منه.
المطلوب الآن ليس من الأطراف التي تعين على إرهابنا وتتلون في إدانة إرهابنا، المطلوب الآن نتوقعه من السلطة التنفيذية وأعضائها باتخاذ موقف موحد حازم من الذين يتلونون والذين لا يرون إرهاباً غير «داعش»، ولا تهتز فيهم شعرة من موت إنسان على هذه الأرض ما لم يكن من مذهبهم، ولا يرون الحقوق الإنسانية إلا حين تكون حصراً على أبناء المذهب الواحد، والضحايا هم فقط من يقعون من أبناء المذهب، ولا يرون التمييز إلا من زاوية واحدة لا تتناسب مع الممارسات التي يمارسونها والتي تنضح بالتفرقة والتمييز، لن يروا أن مؤسساتهم ذات لون واحد وأن نظرتهم للتاريخ ذات لون واحد، وبالتالي فلن تكون رؤيتهم للإرهاب هي الأخرى إلا من لون واحد، مهما استجديت فلن يدينوا إرهابهم أبداً.
المطلوب الآن ليس منهم، بل هو أن تتخذ الدولة بمؤسساتها وبمن يمثلها من وزراء أفاضل مواقف تتجاوز مواقف مثل «نتطلع» أو «نتوقع» أو «نترقب»، بل تتخذ موقفاً لا تلون فيه ولا استجداء فيه، ولا مجاملة ولا مراعاة مع من لم يقف بوضوح تام لا لبس فيه مع أمن مملكة البحرين وأمن المملكة العربية السعودية سواء كان هذا الأحد داخل البحرين أو خارجها.