عجز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نيل الغالبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية، وفشله في تحويل النظام في تركيا رئاسياً، أسعدا خصوم جماعة «لإخوان المسلمين» والمؤيدين للسياسة الإيرانية في المنطقة، وأحزنا أنصار جماعة «الإخوان» وأعداء النظام السوري. تحليلات الصحف العربية الممثلة للطرفين كتبت عن هزيمة زعيم حزب «العدالة والتنمية» التركي لعدم حصوله على الغالبية، كأن تركيا عادت إلى انقلاب عام 1980.الصحف الموالية لإيران ونظام بشار الأسد تجاهلت نجاح «حزب الشعوب الديمقراطية» الكردي ورئيسه صلاح الدين دميرطاش الذي قرر خوض المعركة بقائمة حزبية للمرة الأولى، ممثلاً الأكراد والأقليات في تركيا، على رغم أن وصول الحزب الكردي إلى البرلمان سيعزز الموقف التركي تجاه سورية، وإن اختلفت الطريقة، وربما أعطى أكراد سورية دوراً. معظم التغطيات الصحافية الشامتة بأردوغان، اعتبر أن الهزيمة مؤشر إلى تغير جذري في السياسة الخارجية لتركيا إزاء قضايا كثيرة في الشرق الأوسط، أولاها الأزمة في سورية. وبالغ بعضهم إلى حد القول إن هزيمة أردوغان هي تحجيم لدور تركيا الإقليمي الساعي إلى فرض مشروع «الإخوان المسلمين» على الأتراك والمنطقة، لكن خصوم نظام الأسد، والمؤيدين لــ«جماعة الإخوان المسلمين» كانوا أقل تهوراً في تحليل النتيجة. تحدثوا عن تأثيرات، لكنهم لم يصوروا خسارة «العدالة والتنمية» بالانقلاب.من يتابع تغطيات الصحافة العربية الانتخابات البرلمانية التركية سيجد أنها تنطلق من عدم الإيمان بأن ما يجري في تركيا انتخابات، بل تراها مؤامرات حزبية، وهذا ليس بمستغرب، فالصحف هذه تصدر في دول تمارس «ديمقراطية» مغشوشة، وصناديق اقتراع مخرومة. لهذا جرى تصوير معاودة تقسيم مقاعد البرلمان التركي، كأن التجربة البرلمانية التركية لعبة مزيفة، أشرف عليها وزير الداخلية المصري السابق زكي بدر. الحديث عن تغيير جذري في السياسة الإقليمية التركية بعد الانتخابات هو تفكير بالتمني. مصالح تركيا لا تتبدل بتغير الحزب الحاكم. ربما تتغير الأدوات والأساليب، فنجد تركيا تراعي مصالح الأكراد في سورية، وتعترف بدور التيارات الليبرالية والعلمانية على الساحة السورية، لكنها ستبقى على موقفها الرافض لنظام بشار الأسد، وتقف مع خصومه، من أجل مصالحها الإقليمية.لاشك في أن نتائج الانتخابات التركية لن تفضي إلى تغيير في السياسة الخارجية لتركيا، بل إلى توازن. لن ترفض أنقرة دعم «الإخوان»، لكنها لن تنحاز إليهم على حساب آخرين على الساحة السورية.الأكيد أن نتائج الانتخابات التركية الأخيرة أثبتت أن التجربة الديمقراطية هناك وصلت إلى مرحلة النضج، بل إن النتائج تشير إلى أن الشعب التركي قرر تحويل انقلاب عام 1980 إلى مجرد حكاية تاريخية قديمة.- عن جريدة «الحياة»