هذه مقولة خالدة للمهاتما غاندي، من رجل لم يعترف يوماً بالعنف، لم يعترف يوماً بأن التغيير يجب أن يكون بالحروب وبالقسوة، والأهم لا يكون بتكسير العظام.
المقولة إدارية بحتة، فالتغيير لا يبدأ بشكله الشمولي أولاً، لابد له من نقطة انطلاق، وهذه النقطة تتمثل بالفرد نفسه.
كم من الممارسات التي نراها يومياً في مواقع عديدة، في المجتمع، في العمل وحتى في البيت، نعتبرها ممارسات خاطئة وتحتاج إلى تغيير؟!
هي عديدة، والرغبة في إصلاحها تستهوي من يؤمن إيماناً راسخاً بضرورة الإصلاح وبإبدال الأخطاء بالإيجابيات. لكن كيف يكون التغيير؟!
هناك من يحاول تغيير محيطه بطريقة مباشرة، يريد تغيير المنظومات من جذورها، يريد إحداث ثورة تصحيح عارمة تغير الواقع خلال ثوان، أو أن يقلب الوضع بين ليلة وضحاها.
هي بحد ذاتها فكرة رائعة أن يتبدل الحال من الخطأ إلى الصواب بضغطة زر، لكن المؤسف أن واقع الشعوب اليوم، وواقع المجتمعات يجعل الساعين لفعل ذلك مثل «الحالمين» الذين يرون السراب في عرض الصحراء ويظنونه ماء، بل ربما تكون عملية مستحيلة لهم، خاصة وإن الواقفين على الضفة المقابلة هم محاربو التغيير مثبطو العزائم والمنتفعون من بقاء الوضع على ما هو عليه.
التغيير إلى الأفضل تحد رائع، ومضامينه راقية، وفي عملياته تجد النفس البشرية الصحيحة نفسها، تجد نفسها في صراع مستمر بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ، بين النجاح والفشل، بين التطوير والتدمير، لكن المغيرين والمطورين والساعين لإحداث الفارق محكوم عليهم في ظل هذه المعطيات بالتعب ولربما الموت قهراً، أو بالأصح الموت وهم يحاولون، لذلك فإن الخائض في هذه المعركة الطويلة المستمرة طوال الحياة لابد وأن يكون أهلاً لخوضها، لابد وأن يكون قادراً على مقارعة عقباتها.
لذلك دللنا بمقولة غاندي هنا، فمن يغير ويسعى للتغيير ويريد التطوير نحو الأفضل، عليه أولاً أن يبدأ بنفسه، أن يبدأ التطبيق الفعلي على ذاته في حياته وممارساته وفي تعاملاته، عليه أن يغرس هذه القيم والمبادئ في محيطه، عليه أن يكون مدافعاً عنها بطرق غير تصادمية، بطرق تقنع الناس وتكسبهم في صف التغيير والتطوير. إذ كم من مساع إصلاحية ومن رسائل تصحيح لم تجد لها صدى إيجابياً، ولم يكن لها تأثير فعلي، فقط لأن الطريقة لم تكن بالحصافة والنجاعة المطلوبة.
لذلك حينما تؤمن بالتغيير، ابدأ به على نطاقك الضيق، ابدأ به على نفسك، تمكن من كل شيء حولك، اجعله مثالياً قدر المستطاع، تمثل بالمثاليات في الأمور التي تتحكم فيها، ثم ابدأ نشرها في أوساطك القريبة، ابدأ بإقناع عائلتك، أهلك، محيطك العملي، أصدقائك، ابدأ بنشر هذه الثقافة الراقية.
نخطئ كثيراً في ممارساتنا، حتى وإن كانت أهدافنا راقية رائعة مثالية وتسعى للإصلاح. بل نجرم في حق ما ندافع عنه، إن فقط أوردناه كشعارات دون أن نحرص على تطبيقه فعلياً. كمثال بسيط لو أردت أن تشيع العدالة في المجتمع، فأول خطوة على هذا الطريق الطويل الوعر، أن تحرص بأن تكون نفسك عادلاً في كل شيء، إذ لا يجوز أن تدعو للعدالة وأنت بنفسك لا تطبقها وأنت بنفسك لا تؤمن بها.
بالتالي نقول هنا لمن يرسم الخطط للمجتمع، ومن يضع خرائط الطرق، ومن يصيغ الشعارات، سواء أكانوا مسؤولين مختلفين متباينين في المواقع والمناصب، من الخطأ الكبير أن نأتي بشعار للتغيير في مجتمع ما، دون أن نحرص على أن يكون شعاراً حقيقياً وواقعياً، بحيث يرى الناس أنه يتحقق أمامهم، وأن القول مقرون بالفعل. تفشل الشعارات الجميلة في تحقيق مضامينها وفي التحول لحقيقة في العالم الواقعي، لأن في الغالب من يضعها لا يؤمن بها، ولا يكون عاملاً بها، ولا يكون هو أول من يتغير بموجبها قد يتمكن بعدها من تغيير العالم تدريجياً.