كل عام وفي كل مرة وعبر كل دورة تشريعية، يتأخر إقرار الموازنة في البحرين لمدة طويلة جداً، فبين شد الحكومة وإصرار النواب على موقفهم من الميزانية الجديدة، تتعطل عملية التنمية وتطوير الوطن، وتتأخر كافة المشاريع الحيوية، مما يسبب هذا الجمود في إقرار الموازنة نوعاً من الخمول التنموي الواضح في الكثير من مناطق التنفيذ، وبهذا تتعطل حركة الاقتصاد والسياحة والسوق وبقية الفعاليات الثقافية والترفيهية والاجتماعية.
نحن ندرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتق النواب وكذلك الحكومة في ما يتعلق بإقرار الموازنة ومدى صعوبة حسم هذا الأمر، إضافة لحاجتهما الماسة في ألا يتخذ كل طرف قراره الأخير والنهائي إلا بعد دراسة وتأنٍّ ومشورة، لكن هذا لا يعني أن يظل السقف الزمني لإقرار الميزانية مفتوحاً هكذا، حيث إن للتأخير أضراراً كبيرة جداً يتحملها في نهاية المطاف الوطن والمواطن.
وزارات كثيرة هي تلك التي تتأخر في تبني وتطوير وتطبيق مشاريعها على أرض الواقع، وبسبب عدم إقرار الموازنة يتأخر توظيف العاطلين عن العمل في مؤسسات الدولة، كما تتوقف كل الفعاليات الموسمية الأخرى التي لها علاقة بتسويق البحرين عالمياً، كالبرامج المهمة التي تقوم بها وزارة الثقافة والآثار، كربيع الثقافة وتاء الشباب وبرامج أخرى في المسرح الوطني، لا تقل أهمية عن بقية المشاريع الوطنية الأخرى.
هذا الجمود الحاصل لا يصب في مصلحة الوطن، فالموازنة الجديدة يجب أن تقر سريعاً، وعليه نتمنى من الإخوة النواب ألا يتصلبوا في مواقفهم حيال الميزانية حتى تتعطل كل مشاريع الدولة، لأن ما سيؤلمنا بعد هذا التأخير هو أن يقر النواب الميزانية كما كانت عليه دون زيادة، فهذا الأمر غير مبرر، كما فعل ذلك النواب في الدور التشريعي الماضي، حيث «هاوشوا» الحكومة ولم يتنازلوا عن دينار واحد في الميزانية، ثم قاموا بعد ذلك بإقرارها كما كانت، والنتيجة هي ضياع للوقت وتعطيل للمشاريع المهمة والحساسة في الدولة.
هنالك من يدندن من النواب على شعار أننا «لن نقر الموازنة إلا بعد أن تتراجع الحكومة عن فكرة إلغاء الدعم عن اللحوم»، ولربما هذا خطاب للاستهلاك وتجميل المواقف السياسية لا غير، فقضية إلغاء الدعم ليست مبرراً كافياً لتأخير إقرار الموازنة الخاصة بالتعليم والصحة والثقافة والخدمات الأخرى، فالبلد لا يمكن أن تتعطل مشاريعه بسبب موضوع واحد فقط، لا يقدم في الميزانية الكثير ولا يؤخر.
نتمنى من النواب ومن الحكومة أن يتفقوا على صيغة مشتركة حول طبيعة الميزانية القادمة، وأن يتم إقرارها بشكل يرضي كلاً من الجهتين، وألا تكون ميزانية الدولة بها الكثير من العجز، ليتحمل تبعاتها الشعب، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها الإقليم، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهه في المستقبل، فالموازنة يجب أن تتضمن كل الضمانات التي لا تضغط على الحياة المعيشية للمواطنين، وأن تكون عادلة للجميع، والأهم من كل ذلك، هو الإسراع في إقرارها، وذلك لمزيد من التنمية والاستقرار في هذا الوطن.