مانشيت «الوطن» الأحد الماضي سيمر على قياديي الجمعيات السياسية من دون أن ينتبهوا له رغم أهميته، ورغم أنه يمكن أن يشكل بالنسبة لهم مفتاحاً يتيح لجمعياتهم فرصة تقديم ما يفيد المواطنين الذين شبعوا من البيانات التي تصدرها والتصريحات منزوعة الفائدة. المانشيت تناول موضوعاً مهماً للغاية، وتضمن تصريحات لاقتصاديين قالوا بصريح العبارة «إن حجم المحتوى السياحي في المملكة يصل إلى 800 مليون دينار سنوياً لم يستغل منه فعلياً سوى 70 مليون دينار أو ما نسبته 11.5%»، وهذا يعني أن الفرصة متاحة للجميع كي يستفيدوا من الـ89.5% التي يمكن أن تدر 730 مليون دينار في السنة.
وبما أن هذه المساحة ليست حكراً على الحكومة ومتاحة للجميع؛ فإن العقل ينبغي أن يدفع بهذه الجمعيات السياسية نحو استغلال هذه الفرصة بتوظيف قدراتها وخبراتها الاقتصادية في عمل مشاريع يستفيد منها الباحثون عن عمل، سواء من أعضائها أو مناصريها، أو غيرهم من المواطنين الذين ينتظرون أن تقدم لهم هذه الجمعيات السياسية ما يحل جزءاً من مشكلاتهم، بدل أن يستمروا في الأسلوب الحالي الذي لا يعود عليهم بأي منفعة، وبدل أن يطالبوا الحكومة بتوفير وظائف لهم في القطاع العام، خصوصاً وأن هذه المشاريع يمكن أن تعود عليهم بأموال تغير حياتهم رأساً على عقب.
مئات وربما آلاف الأفكار والمشروعات يمكن أن تنتجها جلسات العصف الذهني لهذه الجمعيات السياسية لو كانت جادة في تقديم خدمات حقيقية للمواطنين ولأعضائها ومناصريها على وجه الخصوص، كما يمكن لهذه الجمعيات الاستفادة من خبرات وقدرات الاقتصاديين في الحكومة وفي القطاع الخاص لتأسيس شركات صغيرة لهؤلاء تعود عليهم بأموال غير قليلة تحسن من مستواهم المعيشي وتربطهم بتلك الجمعيات التي سيكون لها الفضل عليهم.
طبعاً الجمعيات السياسية تفكر في احتمالات انشغال هؤلاء الذين سيحصلون على فرص للعمل في هذه المشاريع عنها، وبالتالي يمكن أن تخسرهم. لكن هذا غير صحيح؛ لأن هؤلاء سيظلون ممتنين لها وأوفياء، بينما سيدون في سجلها أنها قدمت للمواطنين والوطن شيئاً مختلفاً عن البيانات والتصريحات والصراخ الذي لا قيمة له ولا منفعة من ورائه.
هذا الدور، حتى لو لم يكن دورها الأساس، لو قامت به هذه الجمعيات السياسية في هذه المرحلة لحققت نجاحات تستفيد منها حاضراً ومستقبلاً، ولشعرت أنها قدمت للمجتمع ما يمكن أن يسجل في «ميزان حسناتها»، ولحصلت على تعاطف محلي ودولي لا تحلم به.
هذا هو الفارق بين الفعل واللافعل، وبين العمل المفيد والعمل غير المفيد، وبين التعامل مع الواقع والغوص في الخيال والأحلام. بالتأكيد المسألة صعبة لأنها تتطلب من هذه الجمعيات السياسية أن تتخلص من الأفكار التي تسيطر عليها ومن اعتقاد قيادييها بأن دورهم يقتصر على النقد والشحن وإصدار البيانات والتعبير عن مواقف سياسية والمشاركة في الاعتصامات والمسيرات وتأييد كل ما يقال ضد الحكومة، أي أن الأمر يتطلب انعطافة غير عادية يمكن أن تؤدي حتى إلى مراجعة النظام الأساسي فيها وتضمينه بنوداً تتيح لها الاستفادة من هكذا فرص من دون حرج.
مراجعة سريعة يقوم بها المعنيون بهذه الجمعيات السياسية لما قدمته سيعينها على تبين أنه لم يستفد منها أعضاؤها ومناصروها والمواطنون إجمالاً، وإن هذا يكفي سبباً للتوقف بغية المراجعة وتبني مشروعات اقتصادية تعود عليهم بالنفع والفائدة.
ليس صحيحاً أبداً القول إن هذا العمل ليس من اختصاص الجمعيات السياسية، وليس صحيحاً أبداً الاعتقاد بأن هذا العمل يمكن أن يشغلها عن أنشطتها الأساسية، وليس صحيحاً أن أعضاءها ومناصريها والمواطنين سيهجرونها بسبب انشغالهم بالمشاريع التي ساعدتهم في الولوج إليها. الصحيح هو أن تستفيد هذه الجمعيات السياسية من مثل هذه الفرص