لو تتبعنا ما يجري من فوضى في خطاباتنا الدينية، لرأينا أن معظمها يخرج من رحم منابر يوم الجمعة، فقبل أن تبدأ صلاة الجمعة في مساجد المسلمين، تلكم الصلاة التي يرتبط فيها الإنسان بربه، يتلقى المصلي خطبة تشتت وعيه وتصرفه عن كل معاني الهداية وحب البشر، بل على العكس من ذلك، حيث تقوم الخطبة بدور المحرض والمحفز على الكراهية ونبذ الآخر بطريقة بشعة لا يقبل بها ديننا الحنيف ولا عقلنا الحصيف.
بالأمس، كانت خطب الجمعة عبارة عن مواعظ وإرشادات أخلاقية، وكانت تحفز المصلين على تتبع الخيرات وعمل الصالحات وتهذيب النفس نحو الكمال واحترام كل البشر دون استثناء، ولهذا كان إيمان الأباء والأجداد أكثر فاعلية ونقاء من إيمان هذا الجيل، لأن منبر الجمعة في السابق كان مدرسة للعلم والمعرفة والحياء والتقوى.
اليوم تحولت خطب الجمعة إلى تهريج وإسفاف واستخفاف بعقول المصلين، وتحولت من خطب جمعة إلى خطابات سياسية تحشيدية ذات طابع همجي، تتخذ من الكراهية منهجاً، ومن السياسة مأرباً، ولهذا وجدنا عدد المرائين في جوامعنا أكثر بكثير من عدد المصلين!!
اليوم كذلك تحولت خطب الجمعة إلى فوضى عارمة في عالمنا الإسلامي، حتى أضحت منابر المساجد إلى سوق للنخاسة السياسية وللمزايدات الوطنية، دون مراعاة لآداب خطبة الجمعة، وما ينبغي أن تتحلى بها كلماتها من أدب جم وأخلاق حميدة ومعانٍ سامية، بل تحولت الخطب إلى سباب وشتائم وتهريج وتحريض وفتن وخزعبلات اجتماعية وخرافات بالية ومناقشة قضايا سياسية أو حزبية مقيتة.
حين ينتفي الهدف الحقيقي من خطبة الجمعة، وحين تسقط أركانها الفقهية والأخلاقية تتحول إلى استعراض لزراعة الفتن والكراهية، وهذا ما يتنافى مع أبسط الأهداف التي شرعت من أجلها خطبة الجمعة، وعليه ربما تحولت أيام الجمعة المباركة في عالمنا الإسلامي بفضل هذه الفوضى التي تخلفها خطب يوم الجمعة إلى ساحات حرب وتفجير وقتل وسفك للدم، سواء في يوم الجمعة أو في خارجه، وسواء داخل المساجد أو في بقية بقاع الأرض، فتبعات ما يسمى زوراً وبهتاناً «بخطبة الجمعة»، وصلت إلى الدم، وهذا وحده يكفي في أن تراجع الدول الإسلامية قوانينها المتعلقة بخطب الجمعة، إن كان لديها قوانين أصلاً!
في البحرين، يجب أن يوقف كل خطيب جمعة يقوم بهدم البنية الاجتماعية لهذا المجتمع الراقي أو يقوم «بخربطة» النسيج الاجتماعي الواحد، سواء كان من هذا المذهب أو من ذاك، فاللحمة الوطنية والحفاظ على أمن وسلامة المجتمع أهم من إرضاء جماعة أو فئة أو خطيب، كما يجب أن ترسم قوانين واضحة حول ما ينبغي تناوله وما يجب تركه في خطب الجمعة، سواء من مفردات أو أفكار أو رؤى دينية أو سياسية قد تطيح بالمجتمع في وحل الدم.
في المقابل يجب توجيه المصلين ورفع نسبة الوعي لديهم حول أهمية اختيارهم خطيب الجمعة، كما ينبغي على المصلين أن يمارسوا دور المراقب والناصح لكل خطيب يخرج عن النص الهادف، ممن يريدون الخراب لهذا الوطن أو زعزعة أمنه الاجتماعي.
لنتكاتف جميعنا على توجيه منابر الجمعة نحو الهدف الحقيقي التي شيدت من أجله، كما ينبغي علينا تصحيح مساراتها التي خرجت عن سكتها مع أول قتيل سقط في مساجد الله، فللمساجد حرمة، وللدم حرمات، وللدولة كلمة الفصل في تحييد خطب الجمعة، والسلام ختام.